وداع مؤقت لمعلم باريسي
بعد ما يقرب من 50 عامًا من كونها أحد أبرز المؤسسات الثقافية في باريس، يستعد مركز بومبيدو لإغلاق أبوابه لإجراء تجديدات تستمر خمس سنوات، مع خطط لإعادة الافتتاح في 2030. يهدف هذا المشروع الطموح إلى معالجة التدهور الهيكلي، ومعايير السلامة، وإمكانية الوصول، والاستدامة البيئية، مما يضمن أن يظل المبنى مركزًا عالميًا للفن والابتكار لعقود قادمة.
بينما يؤجل الزوار زيارتهم إلى هذا المكان المعماري الفريد، حان الوقت لإعادة استكشاف ما يجعل مركز بومبيدو استثنائيًا للغاية—من تصميمه المقلوب الذي يكشف عن بنيته الداخلية إلى دوره في إحداث ثورة في هندسة المتاحف.
1. تحفة معمارية من طراز “هاي-تيك”
يعد مركز بومبيدو، الذي صممه رينزو بيانو وريتشارد روجرز، أحد أبرز الأمثلة على العمارة عالية التقنية (المعروفة أيضًا باسم التعبيرية الهيكلية). نشأ هذا الطراز في أواخر الستينيات، وهو يحتفي بالجماليات الصناعية، مع كشف الأنظمة الهيكلية والميكانيكية التي عادة ما تكون مخفية في المباني التقليدية.
التأثيرات والمهندسون الرئيسيون
- مستوحى من الحداثة والبروتالية
- رواده مهندسون مثل نورمان فوستر، سانتياغو كالاترافا، ونيكولاس غريمشو
- أصبح التصميم الجذري لـ بومبيدو (1977) رمزًا بارزًا لهذا التيار
من خلال قلب المفاهيم المعمارية رأسًا على عقب، خلق بيانو وروجرز مبنى تحدى التصورات حول كيف يجب أن يبدو المتحف.
2. تصميم مثير للجدل لكنه ثوري
عندما افتتح مركز بومبيدو لأول مرة، أثار جدلاً بسبب مظهره الصناعي الشبيه بالمصنع. رأى النقاد أنه يتناقض مع العمارة التاريخية لباريس، خاصة عند مقارنته بمؤسسات مثل اللوفر.
لكن مع مرور الوقت، أصبح جماله الجريء ميزة—مثبتًا أن المتاحف يمكن أن تكون ديناميكية، مبتكرة، وغير تقليدية. اليوم، يقف كـ رمز للثقافة الطليعية، مجسدًا روح التجربة الفنية.
3. إحياء حي بوبورغ في باريس
يقع المركز في منطقة بوبورغ (جزء من حي لو ماريه في باريس)، ولعب دورًا حاسمًا في تحويل الحي إلى مركز ثقافي حيوي.
التأثير على الفضاء العام
- تستضيف الساحة المفتوحة أمام المتحف عروضًا شوارعية، مهرجانات، وتجمعات عامة
- على عكس المتاحف التقليدية، فهو يشجع المشاركة المجتمعية، مما يجعل الفن في متناول الجميع وتفاعليًا
- أصبحت المنطقة الآن وجهة حيوية لكل من السكان والسياح
4. أكثر من متحف: مركز متعدد التخصصات
لم يكن مركز بومبيدو مجرد متحف فني—بل تم تصوره كـ مركز ثقافي متعدد التخصصات. داخله، يجد الزوار:
- المتحف الوطني للفن الحديث (واحد من أكبر مجموعات الفن الحديث في العالم)
- المكتبة العامة للمعلومات (Bpi) (مكتبة عامة رئيسية)
- معهد البحث والتنسيق في الصوتيات/الموسيقى (IRCAM)
- قاعات سينما، مساحات عروض، وورش عمل
هذا النموذج المتكامل يعزز نظامًا ثقافيًا ديناميكيًا، يجذب جماهير متنوعة.
5. السلم الكهربائي الشهير “اليرقة” وإطلالات بانورامية
إحدى أبرز ميزات مركز بومبيدو هي السلم الكهربائي الزجاجي، الملقب بـ “لا شينيل” (اليرقة).
لماذا هو مميز؟
- يتسلق الواجهة الجنوبية، ويوفر إطلالات خلابة على باريس
- ليس مجرد عنصر وظيفي—بل بيان معماري
- الرسم الأيقوني للسلم أصبح جزءًا من شعار المتحف الرسمي
6. البنية التحتية الملونة: بصمة بصرية فريدة
الأنظمة الميكانيكية المكشوفة ليست هيكلية فحسب—بل هي جزء من الهوية الفنية للمبنى. كل نظام مُرمَّز بلون:
- الأزرق → أنظمة التهوية
- الأخضر → أنظمة السباكة
- الأصفر → الأنظمة الكهربائية
- الأحمر → الحركة (المصاعد، السلالم الكهربائية، السلالم)
سيحافظ التجديد القادم على هذه الميزة الأيقونية مع الترقية إلى تقنيات أكثر كفاءة في استهلاك الطاقة.
7. الهيكل الخارجي الفولاذي: حيث تلتقي الهندسة بالفن
على عكس المباني التقليدية، فإن هيكل بومبيدو خارجي، مشكلًا هيكلًا فولاذيًا مكشوفًا مصنوعًا من الجوائز المعدنية الجاهزة والدعامات القطرية.
أولويات التجديد
- ترميم الإطار الفولاذي دون تغيير التصميم الأصلي
- تحسين المتانة مع الحفاظ على الشفافية المعمارية
- لا توسيع—بل تحسين استخدام المساحات الحالية
8. مساحات مرنة ومفتوحة للفن والابتكار
بـ نقل العناصر الهيكلية إلى الخارج، خلق بيانو وروجرز مساحات داخلية شاسعة وقابلة للتكيف. سيركز التجديد على:
- تحسين تنظيم المساحات لسهولة حركة الزوار
- إعادة تشكيل المناطق غير المستغلة للمعارض والفعاليات
- الحفاظ على مرونة المبنى الأصلية
9. التكيف مع عالم متغير: فلسفة التجديد
تؤكد مورو كوسونوكي واستوديو فريدا إسكوبيدو، المهندستان المسؤولتان عن التجديد، على تغير القيم الثقافية:
“في 1977، كانت السرعة والمعلومات ترمز إلى التقدم. اليوم، نقدّر التواصل البشري، الوساطة، والتجارب المادية أكثر من الزخم الرقمي.”
سيظل بومبيدو الجديد ملاذًا للتواصل الحقيقي في عصر يزداد افتراضيًا.
10. متحف برانكوسي: جوهرة مخفية تخضع أيضًا للتجديد
بجوار المبنى الرئيسي، سيغلق متحف برانكوسي—إعادة إنشاء لإستوديو النحات كونستانتين برانكوسي—مؤقتًا. يهدف التجديد إلى الحفاظ عليه بدقة، مع خطط لإعادة افتتاحه مع المبنى الرئيسي في 2030.
الخاتمة: فصل جديد لأيقونة معمارية
تجديد مركز بومبيدو ليس مجرد ترميم لمبنى قديم—بل هو ضمان مستقبله كـ منارة للفن، العمارة، والتواصل المجتمعي. عند إعادة افتتاحه في 2030، سيستمر في إلهام، تحديث، وابتكار، كما فعل طوال نصف قرن.
الآن، بينما نودعه وداعًا مؤقتًا، يمكننا التأمل في إرثه—والتطلع إلى عصر جديد مثير.
تابع كل جديد في عالم المحتوى “المعماري” من مشاريع واتجاهات وأفكار جريئة عبر منصة ArchUp.