الشرفة الأمريكية التقليدية: بين الماضي والحاضر
عندما نفكر في الشرفة الأمريكية التقليدية، تتبادر إلى أذهاننا صور الأعمدة البيضاء المميزة، والأسقف الزرقاء المائلة نحو اللون الفاتح. هذه تُعتبر رمزًا للهدوء والراحة. قد نتخيل أيضًا كرسيين هزازين يجلس عليهما شخصان، مع أكواب من الشاي الحلو المثلج التي تعكس جوًا من الاسترخاء.
لكن هل هذه الصورة التقليدية هي الوحيدة التي يمكننا أن نربطها بمفهوم الشرفة؟
إعادة التفكير في مفهوم الشرفة
في الواقع، هناك العديد من الأماكن والهياكل التي يمكن أن نتأملها كمقابل للشرفة التقليدية في سياقات مختلفة. على سبيل المثال، ماذا عن الحديقة العامة؟ أو منزل دائري للهنود الأمريكيين؟ أو حتى الأكشاك المخصصة لتناول الطعام في مدينة نيويورك؟ هذه الأماكن تتحدى الصورة النمطية للشرفة وتُظهر كيف يمكن أن يتغير مفهوم “المساحة المفتوحة” وفقًا للموقع والسياق الثقافي.
تجديد المفاهيم في المعمار
هذه هي بعض الطرق التي يعيد بها المعماريون والمصممون التفكير في هذه الهياكل المألوفة، ليس فقط في السياقات اليومية، ولكن أيضًا في الفعاليات المعمارية الكبرى مثل بينالي العمارة في فينيسيا 2025. المعماريون والمصممون يسعون إلى تجديد مفهوم الشرفة. الهدف هو أن يعكس التنوع الثقافي والحضري في المجتمع الأمريكي. كذلك يُعيد تعريف كيفية استخدام هذه المساحات المفتوحة بشكل يتماشى مع الزمن المعاصر.
“الشرفة: عمارة الكرم” – معرض يعيد تعريف الفضاء الاجتماعي
يفتح معرض “الشرفة: عمارة الكرم” أبوابه للجمهور في يوم السبت 10 مايو، وهو مشروع تنظمه مجموعة من المؤسسات. يشمل ذلك مدرسة فاي جونز للعمارة والتصميم في جامعة أركنساس، وDesignConnects، ومتحف كريستال بريدجز للفن الأمريكي. يعتبر هذا المعرض مثالًا بارزًا على كيفية إعادة التفكير في الهياكل التقليدية في السياقات المعمارية الحديثة.
الشرفات كرمزية للمكان والزمان
وفقًا للمفوضين المساعدين للجناح، تُعتبر الشرفات ليست فقط هياكل مادية بل هي أيضًا رمزية للمفهوم الأوسع للتجمع الاجتماعي والتفاعل. فهي تتجاوز كونها مجرد مساحات معمارية لتصبح مراكز حيوية تخلق بيئات للتعليم، الاسترخاء، التفاعل واللعب.
كما يوضح بيتر ماكيث من مدرسة فاي جونز للعمارة، الشرفة هي مكان “ندعو فيه بعضنا البعض للجلوس معنا لبعض الوقت”. إنها مساحة تتسم بالترحاب، وتدعو إلى التأمل والانسجام بين الأفراد.
الشرفة: أكثر من مجرد هيكل مادي
الأمر الذي يميز هذه الشرفات، كما يضيف ماكيث، هو أنها ليست مجرد “عمارة ككائن مادي” بل هي “عمارة كخبرة ونشاط”. هذه الفكرة تعكس تحولًا في التفكير المعماري الذي يركز على الأبعاد الإنسانية والتجريبية للمساحة، مع تعزيز التفاعل الاجتماعي والأنشطة المشتركة.
تجربة متنوعة في “الشرفة” داخل الجناح الأمريكي
هناك العديد من التجارب التي يمكن اكتشافها في معرض “الشرفة”، بدءًا من الجناح الأمريكي التاريخي نفسه. قام فريق التصميم، الذي يضم مكتب مارلون بلاكويل المعماري في فيayetteville بولاية أركنساس، والمصمم الصناعي ستيفن بيركس، بالإضافة إلى شركات التصميم D.I.R.T. Studio و Ten x Ten. تم تغطية المبنى التاريخي ذو الطراز البالادياني من عام 1930 بشرفة خشبية ضخمة.
تصميم مبتكر للشرفة: مزيج بين التقليد والحداثة
تحتوي هذه الشرفة على سطح أرضي مريح ومنطقة مخصصة للمحادثات، بالإضافة إلى أثاث خارجي يضيف لمسة من الاسترخاء. أما السقف، فقد تم طلاءه بلون أزرق كهربائي متعرج، مستوحى من الشرفات الجنوبية التقليدية التي تتميز بجوها الهادئ والترحيبي.
فعاليات متنوعة تحت سقف الشرفة
هذا الهيكل الترحيبي لن يكون مجرد مساحة معمارية فحسب، بل سيستضيف أيضًا مجموعة متنوعة من العروض والفعاليات. سيتم التعاون مع متحف كريستال بريدجز في تلك الأنشطة. يقول المدير التنفيذي للمتحف، رود بيغيلو: “فريقنا متحمس جدًا ومليء بالحيوية حول كيفية خلق لحظات فردية على الشرفة – لحظة من العزلة أو لحظات جماعية.”
احتفال بالضيافة والخصوصية الثقافية
تضيف سوزان تشين من DesignConnects: “نحن نعرض ضيافة أوزاكس على الساحة العالمية.” هذه الفكرة، التي تُعزز من مفهوم الاستقبال والترحيب، تعكس روح المعرض الذي يدعو إلى التفاعل الاجتماعي والاحتفال.
كما تشير تشين إلى أن “هذه فكرة مناسبة تمامًا في هذا الوقت”، مُؤكدة أن التركيز على أركنساس يُظهر “حساسية لوجهات نظر مختلفة”. ويُبرز تنوع الخبرات والتقاليد المحلية في سياق عالمي.
مشاريع ملموسة وتجارب فنية في الجناح الأمريكي
داخل الجناح، يلتقي الزوار بمشاريع من 54 مشاركًا مختلفًا، تم اختيارهم بعناية لتقديم أفكار مبدعة ومؤثرة. أراد المفوضون المساعدون تجنب المصطلحات المعقدة، والمشاريع النظرية، والشاشات التكنولوجية التي قد تشتت الانتباه. لذا، طلبوا من المشاركين إنشاء “نوافذ شرفات” مستوحاة من الأعمال الواقعية التي تمثل نماذج ملموسة وسهلة الفهم.
تجنب التعقيد: مشاريع تعكس الواقع
بيتر ماكيث، أحد المفوضين المساعدين، يشير إلى أن الهدف كان واضحًا من البداية: “لقد كان واضحًا لي لأكثر من عقد من الزمان أن الجمهور الأساسي والأخير للذين يزورون بينالي العمارة ليسوا أنتم وأنا – إنهم أطفال المدارس.” من هذا المنطلق، تم اختيار المشاركين من بين ما يقرب من 400 طلب، مع التأكيد على ضرورة أن تكون مساهماتهم ملموسة وسهلة الفهم قدر الإمكان.
نماذج مشروعات واقعية ومؤثرة
من بين المشاريع البارزة، قدم استوديو جيمس كارپنتر بالتعاون مع مايكل فان فالكينبورغ أسوشيتس نموذجًا شفافًا باللون الأزرق لمدخل المتحف الذي صمموه لبوابة القوس في سانت لويس، ميسوري. هذه اللمسة الإبداعية كانت تهدف إلى توضيح كيفية دمج التصميم المعماري مع البيئة الطبيعية.
وفي سياق آخر، قدمت شركة WXY من نيويورك بالتعاون مع قسم النقل في المدينة مجموعة من الأجزاء لتعديل أكشاك الطعام التي ظهرت خلال فترة كوفيد في المدينة. الهدف كان تحويلها إلى هياكل قوية وأكثر وصولًا. كان هذا المشروع نموذجًا عمليًا يعكس كيفية تحسين الأماكن العامة لتلبية احتياجات الناس بشكل أفضل.
تنوع المشاريع: 54 فكرة مختلفة
أما “النوافذ” الأخرى التي تزين الجناح، فهي تشبه صناديق الظل المليئة بالصور والنماذج المعمارية، أو كما في إحدى الحالات، غابة من الأشجار الصغيرة دائمة الخضرة. هذه المشاريع توفر تجارب حسية تتيح للزوار التفاعل مع الأفكار المعمارية المختلفة.
في هذا السياق، يقول ماكيث: “إنها مثل علبة شوكولاتة، وسيواجه الناس 54 طعماً مختلفاً.” هذا التنوع يضمن أن كل زائر سيكتشف شيئًا جديدًا ومؤثرًا في معرض “الشرفة”، مع التأكيد على الابتكار والاستجابة لاحتياجات المجتمع.
التوقيت المثالي في ظل الظروف السياسية
يأتي الجناح في وقت حساس، حيث يعتمد جزئيًا على التمويل من وزارة الخارجية الأمريكية ويصادف فترة من الانقسام السياسي والعدم اليقين. إلا أن المفوضين المساعدين يرون أن التوقيت هو الأنسب لتحقيق الأهداف التي يسعون إليها.
جمع الناس معًا عبر الشرفة
رود بيغيلو، المدير التنفيذي لمتحف كريستال بريدجز، يعبر عن هذا التوقيت قائلاً: “أعتقد أن هذا المشروع يعمل بشكل جيد جدًا ضمن سياق جمع الناس معًا”. ويؤكد على أهمية الحوار والتقارب بين الأفراد في هذه المرحلة: “وأعتقد أنه أكثر من أي شيء آخر، هذا ما نحتاج إلى فعله الآن، أن نقترب من بعضنا البعض، نستمع، ونتناقش.”
الشرفة كأداة للتواصل
في رأي بيغيلو، الشرفة تمثل “المفهوم المثالي” لتحقيق هذا الهدف، فهي ليست مجرد هيكل مادي بل مكان للالتقاء والتفاعل الاجتماعي.