المتحف المصري الكبير: تصميم يدمج بين التراث المصري والوظائف التعليمية الحديثة
الافتتاح المنتظر للمتحف المصري الكبير
تم الانتهاء من المتحف المصري الكبير، الذي صممه مكتب Heneghan Peng Architects، بعد سنوات من التخطيط والبناء. ويقع المتحف على بعد أكثر من ميل واحد من أهرامات الجيزة، ما يجعله قريبًا من أحد أعظم مواقع التراث العالمي.
أهمية المتحف في عرض التراث المصري
يعد المتحف وجهة مركزية لعرض الحضارة المصرية، حيث سيحتوي على أكثر من 5000 قطعة أثرية متنوعة، بما في ذلك آثار من عصر الفراعنة المختلفة. هذا العدد الهائل من المعروضات يجعل المتحف الأكبر من نوعه المخصص لحضارة واحدة فقط على مستوى العالم.
“يُروى أن شرارة ميلاد المتحف المصري الكبير لم تكن تخطيطاً حكومياً بحتاً، بل انطلقت من عبارة نقدية لاذعة؛ ففي أحد الاجتماعات الوزارية، وبينما النقاش دائر، وُجّه سؤال إلى وزير الثقافة المصري آنذاك، فاروق حسني، يحمل في طياته سخرية مُبطّنة: ‘ما هي أخبار المخزن الذي لديكم في ميدان التحرير؟‘ في إشارة إلى المتحف المصري القديم.
كانت هذه الكلمة بمثابة الصدمة التي دفعت الوزير لنقل هذا الانطباع السلبي، الذي يرى قيمة المتحف كتراث مكدس لا يليق بالعرض، إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك. وأكد حسني على ضرورة أن تمتلك مصر صرحاً حضارياً معتبراً يليق بتاريخها، لا مجرد ‘مخزن’. من هنا، صدر التكليف الرئاسي، وانطلقت عجلة الدراسات والمشاورات التي تبلورت لاحقاً في المسابقة المعمارية الدولية، والدخول في شراكة تمويل كبرى مع اليابان لوضع حجر الأساس لهذا المشروع العملاق.”
جناح توت عنخ آمون
من أبرز المعروضات، جناح توت عنخ آمون، الذي من المقرر افتتاحه أمام الجمهور في 1 نوفمبر 2025. يمثل هذا الجناح فرصة فريدة للزوار لاستكشاف مقتنيات الفرعون الشاب والاطلاع على تفاصيل حياته وحضارته بطريقة تعليمية ومعاصرة.
الرؤية الثقافية والتعليمية
إضافة إلى دوره في حفظ التراث، يسعى المتحف إلى أن يكون مركزًا ثقافيًا وتعليميًا يربط بين التاريخ المصري العريق والزوار من جميع أنحاء العالم، مما يعزز فهم الحضارة المصرية ويحفز الاهتمام بالبحث والدراسة.

البداية من مسابقة عالمية
نشأ مشروع المتحف المصري الكبير من مسابقة معمارية دولية أُقيمت في عام 2003، وفاز بها مكتب Heneghan Peng المقيم في دبلن. لاحقًا، تعاون المكتب مع شركتي Arup وBuro Happold لتطوير التصميم وتنفيذه.
تصميم يربط بين الماضي والحاضر
تم تصور تصميم المتحف كجسر يربط بين التاريخ القديم والابتكار الحديث. ويعكس هذا النهج السعي للحفاظ على التراث المصري الغني مع تقديم تجربة تعليمية ومعمارية معاصرة للزوار.


رؤية الشركاء المعماريين
تقول رويسين هينيغان، الشريكة المؤسسة لمكتب Heneghan Peng:
“تصميم متحف بهذا المستوى، على مقربة من صرح ضخم ورمزي كالأهرامات، هو فرصة تأتي مرة واحدة في العمر. يعمل تصميمنا على تعزيز هذا الارتباط بالتاريخ والمكان، موفرًا موطنًا لبعض القطع الأثرية التي لم يُرَ لها مثيل من قبل، والمستقر على الأرض نفسها التي أُنشئت عليها”.
تعكس هذه التصريحات الالتزام بجعل المتحف ليس مجرد مكان لحفظ القطع الأثرية، بل مساحة تربط الزوار بتاريخ مصر العريق بطريقة ملموسة ومعاصرة.

السياق الجغرافي وتأثيره على التصميم
لعب الموقع الجغرافي للمتحف دورًا محوريًا في تشكيل تصميمه. إذ يقع على هضبة صحراوية نشأت بفعل نهر النيل، ما يضفي بعدًا تاريخيًا وطبيعيًا على الموقع.
كما يواجه المبنى الأهرامات مباشرة، بحيث يتماشى المحور البصري مع الهياكل الثلاثة القديمة، ما يعزز الإحساس بالارتباط بين الماضي والحاضر. بالإضافة إلى ذلك، تخلق الخطوط الشعاعية لجدران وسقف المتحف شكل مروحة يردد هندسة الأهرامات، دون أن ينافس ارتفاعها، محافظًا على هيبة المعلم القديم بينما يقدم رؤية معمارية معاصرة.

تجربة الزائر عبر الزمن
في قلب المتحف المصري الكبير، يقع سلم من ستة طوابق تصطف على جانبيه قطع أثرية ضخمة، مثل تماثيل الملك سنوسرت الأول العشرة. يقود هذا السلم الزائرين بترتيب زمني عبر تاريخ مصر، بدءًا من العصر ما قبل الأسرات وصولًا إلى العصر القبطي.
تبلغ الرحلة ذروتها في الطابق العلوي، حيث تضم المعارض الدائمة لجناح توت عنخ آمون، قبل أن ينفتح السلم على منظر بانورامي للأهرامات، ما يربط بين التجربة التعليمية والإحساس بالمكان التاريخي.
دمج الضوء الطبيعي والهندسة المستدامة
يُستَخدم الضوء الطبيعي كلما أمكن، مع مراعاة متطلبات الحفظ الدقيقة، في المناطق التي تحتوي على القطع الأثرية الأكثر صلابة. كما تلعب الخرسانة المسلحة دورًا مهمًا في تنظيم درجات الحرارة الداخلية، مما يقلل الحاجة إلى أجهزة التكييف بشكل كبير، ويضيف بعدًا مستدامًا لتجربة الزائر.

المتحف كمركز ثقافي وتعليمي
بعيدًا عن كونه مساحة عرض عالمية، يُتصوَّر المتحف المصري الكبير كمركز ثقافي وتعليمي يعكس عمق الحضارة المصرية. يسهم هذا الدور في تعزيز فهم الزوار لتاريخ مصر بطريقة تعليمية وتفاعلية.
الحدائق وإيحاء وادي النيل
بالتعاون مع مهندسي المناظر الطبيعية من West 8، صُممت حدائق المتحف الواسعة لتعكس جمال وادي النيل الأخضر، ما يضفي على المكان إحساسًا بالتمازج بين البيئة الطبيعية والمعمار الحديث.
مختبرات الحفظ والبحث
يضم المتحف واحدة من أكبر منشآت الحفظ والبحث في العالم، تحتوي على 17 مختبرًا متخصصًا متصلًا بالمبنى الرئيسي عبر نفق تحت الأرض. تعمل هذه المختبرات على حماية التراث المصري الهائل، بدءًا من البرديات والمنسوجات الهشة وصولًا إلى التماثيل والفخار والبقايا البشرية، بما يضمن الحفاظ على هذه الكنوز للأجيال القادمة.

رمز التراث والتأثير العالمي
يمثل إتمام المتحف المصري الكبير علامة فارقة في التراث المصري، ويقف كرمز حي للتأثير المستمر لمصر على الحضارة العالمية. يعكس هذا الإنجاز قدرة البلاد على الجمع بين الماضي العريق والابتكار الحديث في مساحة تعليمية وثقافية متكاملة.
✦ تحليل ArchUp التحريري
من منظور معماري، يمثل المتحف المصري الكبير خطوة مهمة في جمع التراث المصري في موقع واحد يسهل الوصول إليه، كما أن تصميمه يدمج بين خطوط معمارية حديثة وارتباط بصري بالأهرامات، ما يتيح تجربة تعليمية وثقافية متكاملة للزوار. توفر الحدائق ومراعاة ضوء الشمس الطبيعي واستخدام المواد المستدامة إضافات قيمة يمكن أن تُدرس كنماذج للحفاظ على التوازن بين التصميم المعماري والبيئة.
مع ذلك، يثير المشروع بعض التساؤلات المتعلقة بتوسعة استخدام المساحات ومرونة التصميم على المدى الطويل، خصوصًا مع الكم الكبير من المعروضات الذي قد يفرض تحديات في التنقل والصيانة. كما أن التركيز على الجوانب التعليمية والثقافية لا يغطي بالضرورة الحاجة إلى مرونة أكبر في استضافة فعاليات مؤقتة أو معارض خارج الإطار التقليدي. علاوة على ذلك، يقتصر التفاعل الحسي للزوار على تنظيم داخلي محدد، ما قد يقلل من إمكانية الاستكشاف الحر والمشاركة المباشرة في التجربة المعمارية.
يمكن الاستفادة من المشروع في دراسة كيفية دمج التراث مع الابتكار الحديث، خصوصًا فيما يتعلق بإدارة المعروضات الكبيرة وحفظها ضمن بيئة مستدامة، مع توفير تجربة تعليمية متدرجة عبر السلالم والمعارض. هذه الملاحظات يمكن أن توجه المشاريع المستقبلية نحو تصميم أكثر مرونة، مع تعزيز إمكانية التفاعل المباشر للزوار دون الإخلال بجوانب الحفظ والتراث.
قُدم لكم بكل حب وإخلاص من فريق ArchUp
لا تفوّت فرصة استكشاف المزيد من أخبار معمارية في مجالات الفعاليات المعمارية، و التصميم، عبر موقع ArchUp.
بعد مراجعة الطرح العام والتنافسي للموضوع، المقالة ممتازة في ربط المتحف بالتاريخ، لكن يجب الإثراء بالبيانات التوثيقية والتحليلية التي تميزنا عن غيرنا. المشروع صُمم لاستيعاب سعة ضخمة تزيد عن 100 ألف زائر يومياً ويشغل مساحة بناء تزيد عن 500 ألف متر مربع، وهي أبعاد كان يجب توثيقها. الموقع الجغرافي على الهضبة الصحراوية يفرض قيوداً مناخية هائلة (تحدي التحكم بالرطوبة والغبار للحفاظ على الآثار) التي لم تُناقش كجزء من الهندسة الإنشائية للمبنى. كما أغفلت المقالة تركيز المصممين على تحويله إلى مركز أبحاث عملاق (17 مختبراً)، مما يبرز أهمية مواد البناء المستخدمة في العزل. نوصي بتأكيد أن المشروع جاء نتيجة مسابقة معمارية دولية، لتعزيز الجانب الإنشائي والتوثيقي للمقالة وزيادة سلطتها ضمن قسم المخصص لها .