أين يتواجد الذكاء الاصطناعي في صناعة الأثاث؟

طابعة ثلاثية الأبعاد تطبع قطعة تصميمية باستخدام خيوط بلاستيكية، محاطة بعينات من التصاميم النهائية
نماذج أثاث وتصاميم ديكورية ناتجة عن الطباعة ثلاثية الأبعاد ضمن معرض صالون ديل موبيله 2025.

تحقيق نقدي من معرض صالون ديل موبيله 2025

بات من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد أمرًا مستقبليًا—بل أصبح حاضرًا بالفعل. بدءًا من التصميم التوليدي إلى التخطيط المعتمد على الخوارزميات والمدن الذكية، تشهد مجالات العمارة وتصميم المنتجات تحولات جذرية. ومع ذلك، وبينما كنا نتجول في المعارض الواسعة لمعرض صالون ديل موبيله 2025، برز سؤال بإلحاح أكثر من أي وقت مضى: أين يتجلى الذكاء الاصطناعي في الأثاث والمساحات الذكية؟ إن المساحات الذكية هي مجال يستحق اهتمامنا بشكل كبير في المستقبل.


التباين: الذكاء الاصطناعي في العمارة مقابل الأثاث

شهد المعرض هذا العام العديد من الأجنحة والندوات التي تناولت تأثير الذكاء الاصطناعي على التفكير العمراني والمعماري. فقد عرضت منصات مثل Autodesk وMorpholio أدوات تخطيط مدعومة بالذكاء الاصطناعي، بينما ناقش المعماريون دراسات الكتلة (Massing) المدفوعة بالتعلُّم الآلي، إلى جانب نماذج لتحسين كفاءة الطاقة.

لكن في قطاع الأثاث؟ بدا التحوّل… مترددًا. فعلى الرغم من الوعود المتعلقة بالمعيشة الذكية والمساحات الداخلية التفاعلية، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي في تصنيع الأثاث وتصميمه وتفاعله مع المستخدمين ظل محدودًا، بل وكأنه خافت. إذ أن المساحات الذكية لم تصبح جزءًا كبيرًا من الأثاث بعد.


عرض جداري يحتوي على عينات لمواد وألوان وأنسجة متعددة ضمن قسم مكتبة CMF في معرض التصميم.
واجهة تفاعلية من مكتبة CMF تقدم عينات لمواد مبتكرة في معرض صالون ديل موبيله 2025.

تباطؤ السوق أم وقفة استراتيجية؟

لماذا هذا البطء في التبني؟

يرى بعض المطلعين أن صناعة الأثاث—خاصة في أوروبا—ما زالت متجذرة في التقاليد الحرفية والهندسة الميكانيكية. إذ يفتخر المصنعون بالإرث، والحِرَفية، والسياق الجمالي، وهي مجالات لا يزال الذكاء الاصطناعي يبدو فيها دخيلًا أو غير ملائم.

ويشير آخرون إلى أن الذكاء الاصطناعي، رغم حضوره في التسويق التنبؤي والخدمات اللوجستية والنماذج الرقمية الأولية، لم يقفز بعد إلى الأثاث الملموس الموجه للمستهلك. المساحات الذكية لم تتجذر بالكامل في المنازل بعد. هناك فجوة واضحة بين الضجة النظرية المحيطة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقه الفعلي في الحياة اليومية.


ما الذي رأيناه؟ ومضات من الذكاء

رغم ذلك، ظهرت بعض الأمثلة المحدودة:

  • أنظمة جلوس تفاعلية تتجاوب مع توزيع الوزن وتعدل وضعياتها تلقائيًا (عند شركات مثل Sede+ وNuvist).
  • ألواح إضاءة مدمجة بالأثاث تتفاعل مع قرب الإنسان أو مستوى الإضاءة المحيطة.
  • مواد سطحية تفاعلية تسجل الإيماءات اللمسية أو تغيّر شفافيتها.

لكن هذه كانت تجارب فردية، لا توجّهًا عامًا. فقد تمسك أغلب المصنعين بالموديلات التقليدية، واللمسات اليدوية، والأشكال الكلاسيكية، مما يعني أن المساحات الذكية لم تُعتنق بعد بشكل كامل.


تركيب تصميمي تفاعلي يعرض مشروعًا بعنوان
مشروع 343ms يستخدم الصوت كوسيلة لفهم التنوع البيولوجي عبر التصميم والبيانات، ضمن عرض بحثي في صالون ديل موبيله 2025.

هل الصناعة خائفة—أم غير جاهزة ببساطة؟

من المهم إدراك أن إدخال الذكاء الاصطناعي في التصميم يجلب معه تعقيدًا إضافيًا. فالأثاث ليس برنامجًا فقط—بل يتم التفاعل معه يوميًا. المستخدمون يطلبون الاعتمادية، المتانة، وعلاقة حسية وإنسانية مع المكان.

توضح الباحثة في التصميم مارتينا لينزيني من جامعة بوليتكنيكو دي ميلانو:

“الذكاء الاصطناعي لا يزال يفتقر إلى لغة تصميمية تلامس المشاعر. وحتى يتمكن من التغلغل في لغة الملمس والخامة، سيظل مجرد أداة—وليس حضورًا فعليًا.”

كما أن قضايا مثل الخصوصية، إرهاق المستشعرات، وتقادم البرمجيات قد تفسّر أيضًا سبب تردد صناع الأثاث في تبنيه حتى الآن.


ما القادم؟ الموجة التالية

مع ذلك، يتوقع كثيرون أن السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة ستشهد تغيّرات جوهرية في:

  • تصميم أثاث مخصص بناءً على مسح الغرف وسلوك المستخدم بما يتماشى مع المساحات الذكية.
  • تحليلات تنبؤية للبلى والاهتراء لإطالة عمر المنتج.
  • مواد ذكية مدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكنها تعديل المسامية أو اللون أو الصلابة في الوقت الحقيقي.

وتعمل شركات ناشئة مثل Tylko (بولندا) وLivspace (الهند) على تجارب لتخصيص الأثاث عبر الذكاء الاصطناعي، في حين تستثمر شركات التكنولوجيا الكبرى في الحوسبة المكانية والمستشعرات المنزلية لتحقيق المساحات الذكية.


الخلاصة: الهدوء الذي يسبق العاصفة

غياب الذكاء الاصطناعي في معرض صالون ديل موبيله 2025 لا يعني أنه غير مهم—بل إن الصناعة لا تزال تعتبره خيارًا، لا حتميًا.

لكن، تمامًا كما تبنّت العمارة التفكير الخوارزمي، سيتبناه الأثاث أيضًا لتوفير المساحات الذكية—ببطء، ثم فجأة.

وحتى يحدث ذلك، سنبقى نعيش في حالة شدّ بين جماليات العالم التناظري وإمكانات العالم الرقمي.

If you found this article valuable, consider sharing it

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *