Hampstead house

هوية معمارية في قلب شمال لندن

في قلب الأحياء الهادئة والمورقة بشمال لندن، تقف دار مايرسفيلد غاردنز كدليل حي على توازن ممكن بين الأصالة والحداثة.
فهذا المنزل الواقع في منطقة هامبستيد يحتفظ بعناصره المعمارية التاريخية. لكنه في ذات الوقت يستقبل الضوء الطبيعي بترحاب، ويستوعب لمسات معاصرة تندمج بانسجام مع ماضيه الفيكتوري.

مشروع ترميم يعيد الحياة للفضاء

من خلال تدخل معماري مدروس قادته شركة Pinzauer، خضع المنزل لعملية تجديد شاملة.
لم تكن الغاية مجرد تحسين المظهر، بل إعادة تصميم المساحات الداخلية لتواكب أنماط الحياة الحديثة. وقد تضمن ذلك إضافة امتداد معماري يعزز من وظيفية المبنى دون المساس بجوهره التاريخي.

جذور تاريخية عميقة

من الجدير بالذكر أن المبنى لم يكن مجرد منزل تقليدي، بل كان في الماضي مقرًا لمركز آنا فرويد، وهي مؤسسة معروفة في مجال الصحة النفسية والتحليل النفسي.
ويقع هذا المنزل المستقل، المبني على الطراز الفيكتوري، ضمن نطاق منطقة Fitzjohns/Netherhall المحمية. وذلك يضيف بعدًا قانونيًا وثقافيًا لعملية الترميم والتطوير.

إضافة معمارية معاصرة بتناغم بصري

ضمن التجديدات التي شهدها المكان، تم إنشاء استوديو جديد في الجزء الخلفي من الحديقة.
ويُعد هذا الامتداد مثالًا على كيفية تصميم إضافة حديثة لا تتعارض مع الطابع الأصلي للمكان. بل تكمّله من خلال إطلالة مفتوحة على المساحات الخضراء، مما يخلق نقطة اتصال طبيعية بين الداخل والخارج.

توازن بين السياق التاريخي والطموح المعاصر

من منظور معماري، لا تكمن قيمة المشروع في التجديد فحسب، بل في احترامه للسياق الذي ينتمي إليه.
وقد أوضح فريق التصميم في مكتب Pinzauer أن المنظومة التاريخية للموقع، إضافة إلى الطبيعة المحيطة، كانت حاضرة بقوة في عملية التخطيط والإبداع.

لقد أُتيحت للفريق فرصة نادرة: تصميم إضافة معمارية تُكمل الشخصية الفيكتورية الأصيلة للمبنى، دون أن تتردد في إدخال مساحات حديثة بتوجه واضح وجريء.
هذا التوازن بين ما هو قديم وما هو جديد ليس مجرد قرار تصميمي. بل هو توجه فكري يعكس فهمًا عميقًا لديناميكيات الزمان والمكان.

رؤية معمارية: “جناح في الحديقة”

ضمن عملية التطوير، لم يكن التركيز فقط على التوسع، بل على تعزيز جودة الفضاء الداخلي الموجود بالفعل.
المساحات الجديدة صُممت لتتكامل وظيفيًا وجماليًا مع المبنى القائم. تم ذلك مع الاستفادة القصوى من المساحات الخضراء المحيطة، التي تشكل عنصرًا حيًا في التجربة اليومية.

هذا التفكير دفع المصممين إلى تبنّي مفهوم “جناح داخل الحديقة”، وهو تصور معماري يضع الطبيعة في صلب التجربة السكنية.
وقد استلهم الفريق هذه الفكرة من أعمال الفنان والمفكر الأمريكي سول ليويت. خاصة سلسلته الشهيرة Structures، التي تتعامل مع الشكل والبساطة كوسيطين للتعبير المكاني.

سلم خرسانة مكشوف يربط بين الطوابق في منزل مايرسفيلد غاردنز.

الخرسانة كلغة انتقالية بين الطوابق والزمن

في صميم الامتداد الجديد، يأتي السلم المكشوف المصنوع من الخرسانة كعنصر محوري لا يؤدي وظيفة التنقل فقط. بل يمثل لغة تصميمية بحد ذاته.
فهو يربط بين الطابقين بشكل واضح ومكشوف. مما يعكس التوجه نحو الشفافية والوظيفية، دون المساومة على قوة الشكل البصري.

أما في باقي أجزاء المبنى، فقد حافظ التجديد على الروح الأصلية لتخطيط المنزل. يشمل ذلك الزخارف المعمارية الدقيقة والتفاصيل الحرفية التي تمنح المكان هويته الفيكتورية المميزة.
وهكذا، يندمج الحديث مع القديم، وتُصاغ العلاقة بينهما لا كمواجهة، بل كحوار بصري متوازن.

حين تصطدم الدقة الحديثة بعفوية الماضي

رغم الطابع الجمالي الواضح للمشروع، لم تخلُ عملية التوسعة من تحديات تقنية ومعمارية حقيقية.
فتوسيع مبنى فيكتوري قائم، يعود إلى القرن التاسع عشر، يعني التعامل مع بنية غير متماثلة، أحيانًا غير دقيقة، وغالبًا غير متوقعة.

وقد أشار فريق التصميم إلى أن الهياكل الحديثة الدقيقة، التي تتطلب انضباطًا صارمًا في القياسات والتنفيذ، اصطدمت مرارًا بمرونة وتفاوتات المبنى القديم.
الأمر تطلب درجة عالية من التنسيق والصبر بين كل من العميل، وفريق التصميم، والمقاول، لضمان أن تكون النتيجة النهائية متماسكة ومتناغمة.

واجهة منزل مايرسفيلد غاردنز في هامبستيد، لندن، تظهر توازن التصميم بين الطراز الفيكتوري واللمسات المعاصرة.

الانفتاح على الطبيعة: ضوء وهواء ومساحة

في الطابق السفلي، تبرز الواجهة الزجاجية المحاطة بأعمدة بسيطة التصميم كأحد العناصر الأساسية التي تحقق هدف المشروع: الانفتاح على الخارج.
هذا الهيكل الشفاف يتيح تدفقًا وافرًا للضوء الطبيعي، ويخلق تجربة سكنية يشعر فيها الفرد أن الحديقة ليست مجرد إطلالة. بل امتداد فعلي للداخل.

وفي أقصى الجهة الغربية من الأرض، يقع الاستوديو المعماري—مساحة مستقلة ذات طابع حميمي.
عزلته وهدوؤه يوفران بيئة مثالية للتأمل أو العمل الإبداعي، خاصة مع الإطلالات المستمرة على المساحات الخضراء، دون أي تشويش بصري.

تفاصيل دقيقة للزخارف المعمارية في منزل مايرسفيلد غاردنز تُظهر الطابع الفيكتوري.

توازن محسوب بين القديم والجديد

هذا الانسجام البصري والمعماري بين الداخل والخارج لم يكن نتيجة عشوائية، بل كان هدفًا رئيسيًا وضعه المعماريون منذ بداية المشروع.
فوفقًا لما شاركه فريق Pinzauer، فإن الرؤية كانت واضحة:

“نرغب في أن يشعر السكان بترابط واضح مع المساحات الخارجية، مع الإحساس بالتوازن المدروس بين العناصر الجديدة والقديمة في المبنى.”

هذا التصور يعكس توجهًا معماريًا يرفض الفصل التام بين ما هو حديث وتاريخي.ويختار بدلاً من ذلك نسج علاقة تفاعلية بينهما، يكون فيها لكل عنصر مكانه الطبيعي، دون أن يطغى على الآخر.

إطلالة على الحديقة من الجناح المعماري الجديد داخل منزل مايرسفيلد غاردنز.

السُّلَّم الحلزوني: تفصيلة نحتيّة تنطق بثقة التصميم

من بين جميع عناصر المشروع، برز السُّلَّم الحلزوني كرمزٍ خاص يجمع بين الدقة التقنية والجمال النحتي.
لم يكن مجرد عنصر وظيفي، بل كان بمثابة نقطة تركيز بصرية تعبّر عن جوهر المشروع.

وقد وصفه فريق Pinzauer بعبارات تعكس الأثر العميق لهذا العنصر:

“لقد كان تفصيلًا شعرنا حياله وكأنه انتصار صغير؛ فرغم التحديات التقنية التي صاحبت تنفيذه، فإن النتيجة النهائية، بجمالها النحتي، تُجسّد إيمان العميل بفكرتنا التصميمية وثقته في رؤيتها تتحقق على أرض الواقع.”

وهكذا، يتحوّل السُّلَّم إلى حوار صامت بين الفكرة والتجسيد، بين الإبداع والثقة المتبادلة بين المصمم والعميل.

🔗 اقرأ أيضًا:

If you found this article valuable, consider sharing it

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *