كشفت شركة كيري للهندسة المعمارية (Kéré Architecture) التي تتخذ من برلين مقراً لها، والمنشأة على يد المهندس الشهير دييبدو فرانسيس كيري، النقاب عن ضريح توماس سانكارا في واغادوغو، بوركينا فاسو. يمثل هذا الصرح المهيب إرث توماس سانكارا، الرئيس الثوري السابق لبوركينا فاسو، الذي اغتيل عام 1987.
صُمم الضريح لتحويل موقع كان يُعتبر في السابق مكاناً للرعب إلى فضاء للأمل والذكرى، ليكون شاهداً على التأثير الدائم لسانكارا في مجال حقوق المرأة، الاستدامة البيئية، والاستقلال الاقتصادي.
الرؤية الكامنة وراء الضريح
تحية لقائد ثوري
عُرف توماس سانكارا، الذي يُشار إليه غالباً باسم “تشي جيفارا أفريقيا”، بكونه رئيساً لبوركينا فاسو من 1983 حتى اغتياله عام 1987. وقد جعلته سياساته التقدمية – مثل حملات التطعيم، الإصلاح الزراعي، ومساواة النوع الاجتماعي – شخصية محبوبة وإن كانت مثيرة للجدل.
أُقيم الضريح في الموقع الذي قُتل فيه سانكارا و12 من مسؤوليه، ليحول ما كان “مكاناً للخوف” إلى ملاذ للتأمل والتواصل المجتمعي.
نهج كيري للهندسة المعمارية التحويلي
أكد فرانسيس كيري، الحائز على جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية، على الثقل العاطفي لهذا المشروع بقوله:
“هذه هي المرة الأولى التي يُطلب مني فيها تحمل مسؤولية تشييد مبنى تخليداً لذكرى شخصية عظيمة. لقد تحول المكان الآن إلى فضاء للقاء والترفيه، يعزز الذكرى والاحترام والأمل. سيكون الضريح مكاناً ينتمي إلى الشعب.”
التصميم المعماري والرمزية
المواد المحلية والبناء المستدام
بُني الضريح البالغ مساحته 450 متراً مربعاً باستخدام الطوب اللاتريتي والطيني المصدر محلياً، مما يعكس التزام كيري بـالعمارة المستدامة والمتجذرة ثقافياً. تضمن هذه المواد العازلة الحراري تنظيم الحرارة، مما يحافظ على برودة الداخل في مناخ بوركينا فاسو الحار.
القبة والفتحات المثلثة
يتوج المبنى قبة بعرض 34 متراً، ترمز إلى الوحدة والحماية. وتنتشر على السطح الخارجي 13 فتحة مثلثة، تمثل كل منها أحد الأرواح التي فقدت في عملية الاغتيال عام 1987.
التبريد الطبيعي والضوء
وُضعت بوابات المدخل بطريقة استراتيجية لـالتقاط الرياح السائدة، مما يعزز التهوية الطبيعية. في الداخل، يقود منحدر وسلالم قصيرة الزوار إلى الأسفل، حيث رُتبت المقابر الـ13 بشكل دائري، متتبعة مسار الشمس.
يُضاء كل قبر بـفتحة علوية، حيث يتحرك ضوء الشمس ساعة بساعة لتسليط الضوء على قبر مختلف – مما يخلق فضاءً متغيراً باستمرار للتذكر.
الألوان والخيارات الجمالية
يمزج الطوب البرتقالي مع لمسات الفولذ الأخضر الباستيلي والأصفر على الأبواب والدرابزين، مما يجمع بين الدفء والحيوية – إيماءة إلى رؤية سانكارا المتفائلة لمستقبل بوركينا فاسو.
المشروع التذكاري الأكبر
يُمثل الضريح المرحلة الأولى فقط من مشروع تذكاري أوسع، سيتضمن:
1. برج تذكاري بارتفاع 100 متر
- يشمل شرفة مفتوحة للجمهور على ارتفاع 87 متراً، في إشارة إلى عام اغتيال سانكارا (1987).
- يوفر إطلالة بانورامية على واغادوغو.
2. حديقة توماس سانكارا التذكارية
- مسرح مفتوح للفعاليات العامة والثقافية.
- مطاعم ومتاجر ومكاتب لتعزيز النشاط الاقتصادي.
- مرافق تعليمية وقاعات مؤتمرات لنشر أفكار سانكارا.
أهمية هذا المشروع
رمز للشفاء الوطني
بتحويل موقع الألم إلى مكان للفخر، قدمت كيري للهندسة المعمارية لبوركينا فاسو نصباً تذكارياً يُكرم التاريخ ويُلهم الأجيال القادمة.
نموذج للعمارة الأفريقية
يُجسد المشروع كيف يمكن للمهندسين الأفارقة الجمع بين التقاليد والابتكار، باستخدام المواد المحلية وتصاميم التبريد السلبي لإنشاء هياكل ذات معنى تتكيف مع المناخ.
الخاتمة: إرث منحوت في الحجر
ضريح توماس سانكارا هو أكثر من مجرد نصب تذكاري – إنه فضاء حي للتأمل والتعليم والتواصل المجتمعي. من خلال تصميمه الرمزي ونهجه المستدام، صممت كيري للهندسة المعمارية تحفة خالدة لقائد لا يزال صدى رؤيته يتردد في أفريقيا وما بعدها.
تابع كل جديد في عالم المحتوى “المعماري” من مشاريع واتجاهات وأفكار جريئة عبر منصة ArchUp.
