فن ينبض بالحياة في قلب الصحراء
مع انطلاق مهرجان كوتشيلا 2025، لا تقتصر التجربة على الموسيقى وحدها، بل تمتد لتشمل مشاهد بصرية غامرة تنبض بالحياة وسط صحراء كولورادو جنوب كاليفورنيا. بينما يحتشد الزوار أمام المنصات الموسيقية، تلفت انتباههم أيضًا مجموعة من المنشآت الفنية الديناميكية التي لا تقف ساكنة. تتفاعل هذه المنشآت فنيًا سواء على المستوى الحرفي أو المفاهيمي.
مساحات تتغير مع الضوء والحركة
تتميز الأعمال الفنية المنتشرة في أرجاء المهرجان بقدرتها على التفاعل مع الضوء والحركة. التماثيل المتمايلة، والأشكال القابلة للنفخ، والمنشآت المعمارية المؤقتة، كلها تعكس حالة من التغير المستمر. هذه القطع الفنية لا تُعرض فحسب، بل تُختبر وتُعاش، حيث تتلاشى ألوانها وتتحول تحت شمس الصحراء المتقلبة.
تجربة فنية متعددة الأبعاد
هذا العام، جاء البرنامج الفني بتنظيم من شركة الفنون العامة (PAC) وبإشراف المدير الفني المخضرم بول كليمنتي من Goldenvoice. وقد حمل المشروع عنوان “Pas de Deux”، في إشارة إلى رقصة مزدوجة تتطلب تناغمًا عاليًا بين طرفين. في هذا السياق، يُدعى الزوار إلى تجاوز دور المتفرج، ليصبحوا جزءًا من العمل الفني نفسه.
الفن كوسيلة للسكن والتفاعل
بحسب Raffi Lehrer، مؤسس PAC، فإن البرنامج لا يهدف فقط إلى تقديم مشاهد بصرية جذابة، بل يدعو الجمهور إلى “السكن، التفعيل، واحتضان الأوبرا الجميلة لتجربة المهرجان“. يعني أن الفن لم يعد مجرد خلفية للحدث، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في تشكيل تجربة المهرجان الحسية والوجدانية.
🔗 اقرأ أيضًا:
فن يلامس السماء: منشآت كوتشيلا 2025 تنبض بالحركة والضوء
في كوتشيلا 2025، تتحول البيئة الصحراوية القاسية إلى لوحة حالمة تنبض بالألوان والحركة. عبر عدد من المنشآت الفنية المبهرة، يُعاد تعريف العلاقة بين الإنسان، والمكان، والطبيعة المتغيرة.
حلوى: تمازج بين النحت والسراب
أحد أبرز أعمال هذا العام هو “حلوى“ للفنانة ستيفاني لين. يتألف هذا العمل من سبعة أبراج أسطوانية مغطاة بشبكات ناعمة تتراقص مع كل نسمة هواء. التكوين يخلق تأثيرات بصرية متغيرة باستمرار تُعرف بـ”أنماط مويري”، وهي تظهر وتختفي مع تغير اتجاه الريح.
الهياكل، التي استوحت من العمارة الصحراوية الحداثية في منتصف القرن العشرين، لا تكتفي بكونها معمارًا بصريًا فحسب، بل تُضفي إحساسًا بالحركة الدائمة. تتلألأ هذه الهياكل وتتحول مع تغير ضوء النهار. المشهد يلامس حدود التجريد. المقاعد المنحنية في أسفلها تدعو الزوار للجلوس، والتأمل، والانغماس في لحظة من الوهم البصري الذي يشبه السراب.
خذ رحلة: بين الطيران والحلم
في مكان آخر من أرض المهرجان، يأخذنا عمل “خذ رحلة“ من تصميم استوديو Isabel + Helen في رحلة مستوحاة من محاولات الطيران في القرن التاسع عشر. توربينات ضخمة تدور ببطء، كأنها عالقة بين الحركة والسكون، تلتقط رياح الصحراء وتعيد توجيهها في مشهد تنويم بصري هادئ.
يرافق العمل دراجتان عظميتان تتجولان في أرجاء المهرجان، وكأنهما تمثلان روح الحالمين بالطيران اليدوي. في وضح النهار، تحاكي هذه القطع قراءة لرحلات جوية مرتقبة. أما ليلًا، فيتحول التوربين إلى شكل شفاف ومتوهج، يُذكر بأن الجمال لا يكمن دومًا في النجاح، بل في شجاعة المحاولة ذاتها.
الباقة الكبرى: زهور من ضوء وهواء
أما عمل “الباقة الكبرى“ للفنان يحمي، فيقدم تجربة بصرية شاعرية من خلال حديقة من الزهور القابلة للنفخ، التي تتوهج من الداخل وتتشكل كأشباح شفافة تمتد نحو السماء. أوراقها العريضة لا توفر الظل فحسب، بل تثير الإعجاب. كما أنها تخلق مساحة للتأمل وسط ضوء النهار الصحراوي المتقلب.
ومع تغير الإضاءة، تتحول هذه الزهور من منحوتات مشرقة إلى سراب عائم، مما يعزز من حالة الاندماج بين الواقع والخيال. تحت بتلاتها العملاقة، يجد زوار المهرجان لحظات قصيرة من السكون. حيث تتشكل “جيوب من الحنين الناعم” وسط مشهد مشترك ينبض بالحياة والدهشة.

الفن الذي يُلامس ويُسكن: تجربة حية تتجاوز المشاهدة
في مهرجان كوتشيلا 2025، لا تقتصر الفنون على العرض البصري فقط، بل تمتد لتصبح جزءًا من تجربة حسية تفاعلية. تُشرك الزائر جسديًا وعاطفيًا.
منشآت تولد على الأرض: البناء في الموقع
منذ عام 2016، تحت إشراف المدير الفني بول كليمنتي، تُبنى المنشآت الفنية الضخمة على أرض كوتشيلا نفسها، لا تُستورد جاهزة بل تُخلق من الصفر. يتم ذلك على يد فريق داخلي محترف يتألف من نجارين، رسامين، وفنيي تعليق. تُولد هذه الأعمال من الفكرة حتى التنفيذ بأيدٍ خبيرة، مما يضمن توازنًا بين الضخامة المعمارية والمتعة البصرية.
اختيار فني قائم على الحس الهندسي والخيال
بحسب تقييم رافي ليرير، مؤسس شركة PAC المشرفة على البرنامج الفني، فإن الاختيار لا يقوم فقط على الجماليات. بل يعتمد أيضًا على قدرة الفنانين على استيعاب المقياس والارتفاع بشكل بديهي. كثير من المشاركين يأتون من خلفيات في الهندسة المعمارية أو التصميم. يمتلك هؤلاء مهارات تقنية قوية بالإضافة إلى خيال مكاني حي. هذا الخيال يجعل من أعمالهم جزءًا من البيئة وليس فقط أجسامًا داخلها.
فن للتفاعل وليس للمشاهدة فقط
السمة الأبرز في هذه الأعمال هي أنها لا تكتفي بأن تُرى، بل تُلمس، وتُسكن، وتُحرّك. بعضها يتأرجح بتأثير الرياح، وبعضها يسطع من الداخل، بينما يتغير البعض الآخر من يوم إلى آخر. هي أعمال تعيش مع المكان وتتناغم مع تقلبات الضوء والظل، ومع التباين بين الزحام والعزلة، وبين الضخامة والحميمية.
تصميم مخصص لتجربة كوتشيلا
كل منشأة فنية مصممة خصيصًا لموقعها، حيث تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المهرجان ومتطلباته الفريدة. بعض الأعمال تستغرق سنوات من التطوير، في تعاون وثيق بين الفنانين والقيّمين، لضمان توافقها مع جوهر التجربة الكوتشيلية.

بين الاستدامة والتجريب: فن يتحدى بيئة الصحراء
تخضع المنشآت الفنية في كوتشيلا لنفس التحديات البيئية التي تواجهها أي بنية في قلب الصحراء. تشمل هذه التحديات الشمس الحارقة، الرياح المتقلبة، والرمال المتنقلة. مع ذلك، لا تتعامل شركة PAC مع هذه الظروف كعقبة، بل كمحفّز للتفكير الإبداعي المستدام.
منشآت قابلة للحياة بعد المهرجان
يشير رافي ليرر إلى أن الفريق يسعى إلى استخدام استراتيجيات بناء معيارية قابلة للفك والنقل. هذه الاستراتيجيات تسمح للمنشآت بالعيش مجددًا في مواقع أخرى بعد انتهاء المهرجان. أحد الأمثلة على ذلك هو عمل Sarbalé Ke للفنان فرانسيس كيري. هذا العمل وجد لاحقًا موطنًا جديدًا كقطعة فنية عامة دائمة.
في الحالات التي يصعب فيها النقل، لا تُهمل القطع، بل تُعاد صياغة بعض عناصرها، ويُعاد استخدام المواد والأجزاء الهيكلية. فلسفة الاستدامة هنا تبدأ من أول رسمة تصميم، وليس من لحظة التفكيك.
بين الفن والصوت: التوازن عبر الضخامة والإحساس
رغم أن هذه المنشآت تقف في مواجهة أنظمة الصوت الضخمة للمهرجان، إلا أنها تفرض حضورها من خلال الحجم والإحساس البصري. وفقًا ليرر، فإن روح الفن هنا تتناغم مع طبيعة كوتشيلا نفسها: مرنة، متعددة، ومتداخلة التخصصات.
برنامج فني نابض بالحيوية والتنوع
ما يميز برنامج كوتشيلا الفني هو الدمج بين مختلف التخصصات. نحاتون يعملون جنبًا إلى جنب مع معماريين، فنانو وسائط رقمية يتعاونون مع مصممين تجريبيين. هذه التعددية تخلق مشهدًا متغيرًا، حيث تتحول كل منشأة إلى ما يشبه علامة ترقيم داخل جملة بصرية مفتوحة. لا تُفرض كقطع متحفية. بل تُعرض كدعوات للتأمل، وربما حتى… للضياع مع الريح.

