مشروع منزل ماراثا يعيد قراءة العلاقة بين التراث التقليدي والحياة المعاصرة
الحلم وبدايات المشروع
انطلقت فكرة المنزل الجديد من رغبة وريثين من سلالة سَردارَات الماراثا في إعادة إحياء إرث عائلتهما. فبعد سنوات طويلة من العيش في الـ“وَدَا” التقليدية، تبلورت لديهما رؤية واضحة: بناء صرح عائلي ثابت على أرض الأجداد، يوفر الخصوصية، ويبتعد عن صخب المدن، ويمنح العائلة شعورًا بالأمان يشبه حصون الماضي.
ومع انتقال هذا الأسلوب التقليدي عبر الأجيال، اكتسبت الأسرة نمط حياة يعتمد على الفضاءات الواسعة، والباحات الداخلية، والزراعة. لذلك، سعى الشقيقان إلى تصميم بيئة سكنية على مساحة 1.2 فدان تكون قادرة على احتواء العائلة الممتدة، وتؤمّن لهم مستوى من الاكتفاء الذاتي.
من الإرث إلى الفكرة المعمارية
اعتمد التصور الأولي للمشروع على الربط بين الحياة التقليدية ومتطلبات العصر الحديث. ولتحقيق هذا التوازن، استُلهم المخطط من النموذج السكني الإقليمي المعروف باسم «الغادي»، وهو شكل معماري يتميز بعناصر تنظيمية واضحة وزخارف وفتحات دقيقة.
وتُعرف «الغادي» بكونها أشبه بحصن صغير، ذات جدران سميكة من الخارج، تتوزع داخلها باحات وشرفات ومساحات مشتركة. هذا التسلسل بين الفضاءات المفتوحة وشبه المفتوحة والمغلقة يخلق تجربة معيشية متدرجة ومريحة.
صياغة العناصر وإعادة تفسيرها
ولكي يتوافق التصميم مع الحاجات المعاصرة، جرى إعادة صياغة عناصر الغادي التقليدية لتلائم النظم الإنشائية الحديثة والمساحات المطلوبة اليوم. ومن خلال هذا الدمج بين الماضي والحاضر، يصبح المبنى كيانًا معماريًا قادرًا على الاستجابة لمتطلبات الزمن الحالي دون فقدان جذوره التاريخية.
وهكذا يظهر المنزل كهيكل متوازن، يحمل ذاكرة المكان، ويستمر في أداء دوره بوصفه جسرًا بين الإرث العائلي والاحتياجات اليومية.
التنظيم الفراغي: من مفهوم “الخند” إلى هيكل متكامل
يستند التنظيم الداخلي للمشروع إلى مفهوم تقليدي يُعرف باسم “الخند“، وهو وحدة فراغية تُشتق من المساحة التي يحتاجها الفرد في العمارة المحلية القديمة. وبناءً على هذه الوحدة، تتشكل شبكة نسب يمكن تعديلها بسهولة وفق احتياجات الوظائف المختلفة.
ترتيب الوحدات في تكوين صليبي
بعد تحديد الوحدات الأساسية، تُرتَّب في تكوين صليبي يسمح بخلق مسارات واضحة، مع الإبقاء على الأركان كمساحات مفتوحة باتجاه السماء. وتعمل هذه الزوايا كامتدادات تنفّسية، تتشكل بعناية لتوفير تجارب مختلفة وتنويعات في الخصوصية والضوء.
من وحدات بسيطة إلى أحجام متصاعدة
ومع الانتقال بين المستويات، تتحول هذه الوحدات إلى كتل معمارية متصاعدة تتوزع عبر طوابق ترتبط بسلالم تختلف في شكلها حسب طبيعة الاستخدام. ثم تجتمع هذه العناصر لتشكل تكوينًا عضويًا داخل الفراغ الرأسي، مما ينتج عنه بنية متجانسة تجمع بين التنوع والترابط.
الغلاف الخارجي: “الغادي” كحصن معاصر
تستعيد الطبقة الخارجية للمبنى فكرة الغادي، وهي جدران سميكة من الحجر والطوب صُممت تاريخيًا لحماية المنازل الواقعة في المناطق النائية. ورغم بساطة الأسلوب التقليدي، إلا أنه يشكل قاعدة مهمة لاستلهام حلول تحافظ على الخصوصية وتُبرز هوية المكان.
استخدام المواد بين الرمزية والوظيفة
تم توظيف الحجر والطوب وفق مبادئ البناء التقليدية، وذلك من خلال:
- الحجر في القاعدة السفلية ليمثل القوة والثبات.
- الطوب في الأجزاء العلوية باعتباره أخف وزنًا وأكثر مرونة.
يُراعى أيضًا بناء الجدران بأحزمة أفقية متتابعة، تتيح تنفيذًا أسهل وتحقق توزيعًا متدرجًا للعناصر الإنشائية.
فتحات معمارية مستوحاة من الخلايا
في الجزء الحجري السفلي، تُحدد الفتحات وفق مسافات الأحزمة الأفقية. ثم تُدمج مادتا الحجر والطوب عبر إنشاء فتحات خلوية الشكل شبيهة بخلية النحل. وتعتمد هذه الفتحات على انحناءات الطوب، مما يمنح الواجهة مظهرًا أشبه بالتاج، ويتيح مرونة كبيرة في تحديد أماكن الفتحات وأحجامها بحسب احتياجات الفضاء الداخلي.
وكل هذه التفاصيل تأتي ضمن نظام إنشائي يعتمد على الجدران الحاملة، بشكل يعكس توازناً بين الجماليات التقليدية والفعالية البنيوية.
منهجية البناء: دمج الخبرة التقليدية مع التقنيات الحديثة
اعتمد المشروع على توظيف خبرات الحرفيين المحليين والاستفادة من معارف البناء التقليدية. ولتحقيق هذا الدمج، جرى استخدام منهجية بناء مركّبة تعتمد على مواد طبيعية ومحلية، إلى جانب تقنيات الطوب الخرساني الحديثة، بهدف تلبية المتطلبات الإنشائية المتنوعة.
الجدران الحاملة والهيكل الإنشائي
جدار خارجي مقاوم للزلازل والمناخ
تم تصميم الجدار الخارجي السميك ليعمل كجدار حامل قادر على مقاومة:
- القوى الزلزالية،
- والظروف المناخية القاسية.
هذا الجدار يشكّل الطبقة الدفاعية الأساسية، ويؤدي دورًا إنشائيًا وجماليًا في آن واحد.
هيكل داخلي خرساني مسلّح
أما الهيكل الداخلي فاستُخدمت فيه كتل خرسانية مُسلّحة، وذلك لعدة أسباب:
- تسهيل التنفيذ،
- تقليل استهلاك المواد،
- والحصول على أسطح متجانسة بلا بروزات عند التقاء الأسقف والجدران.
هذا الأسلوب يمنح الفراغ الداخلي لغة معمارية هادئة تعتمد على النقاء والانسجام.
عناصر الحركة والانتقال
السلالم وتقنية Ferrogami
تم تنفيذ السلالم والأنظمة الانتقالية باستخدام تقنية Ferrogami، وهي طريقة تقلل الحمل الواقع على الهيكل الرئيسي، مما يسمح بإنشاء فراغات أكثر خفة واتساعًا.
المواد الداخلية: خفة واتساع بصري
أما القواطع داخل المبنى فقد صُنعت من:
- الخشب الخفيف،
- أو الحجر وفق متطلبات كل مساحة.
كما جرى تشطيب الجدران الداخلية بلياسة الجير التقليدية، بهدف:
- تعزيز الانسيابية البصرية،
- وتوسيع الإحساس بالفراغ،
- وتحسين جودة الحركة داخل المساحات.
المواد الخارجية: إبراز جمال الخشونة الطبيعية
تركز الجدران الخارجية على إظهار ملمس المواد الخام مثل الحجر والطوب دون تغطية أو تشويه. ويعكس هذا الأسلوب رغبة في:
- استكشاف إمكانيات المواد المحلية،
- وتجربة تقنيات البناء مباشرة في الموقع،
- وإشراك العمالة في عملية تطوّر مهاراتهم ومعارفهم الحرفية.
الاستدامة كهدف معماري
سعى التصميم إلى جعل المنزل مستدامًا وصالحًا للأجيال المقبلة، من خلال اعتماد أنظمة سلبية تُحافظ على ظروف معيشية مناسبة، مع تقليل استهلاك الطاقة إلى الحد الأدنى. ويُظهر المشروع حساسية تجاه البيئة المحيطة، من خلال توجيه المبنى واستغلال التقنيات الطبيعية في الإضاءة والتهوية، إلى جانب أساليب مبتكرة للحفاظ على الماء والطاقة.
أنظمة التهوية والتبريد الطبيعي
يحتوي المبنى على أبراج هواء للتبريد الطبيعي وعدة أفنية داخلية مزروعة ومفتوحة. تعمل هذه العناصر معًا على توليد تأثير فنتوري من خلال مناطق ضغط هوائي سلبي وإيجابي، مما يساهم في تحسين جودة الهواء داخل المنزل دون الاعتماد على مكيفات كهربائية.
الطاقة والمياه: حلول مستدامة
يستمد المبنى طاقته من ألواح شمسية ضوئية مثبتة على الأسطح المائلة وسقف موقف السيارات، بينما يساهم نظام حصاد مياه الأمطار ومعالجة الصرف الصحي في إعادة استخدام المياه لري حديقة المطبخ. وتكفل هذه الحديقة تلبية الاحتياجات اليومية للعائلة، ما يعزز مفهوم الاعتماد على الذات والاستقلالية.
تدفق الحياة اليومية والتفاعل مع البيئة
يمكن اعتبار المنزل تدفقًا يوميًا للأنشطة المنزلية يمتد من الأعلى إلى الأسفل، مع نقاط توقف وسيطة ومساحات احتفالية. تتناغم هذه المساحات لتشكل سيمفونية تجمع بين البيئة المبنية التقليدية والعصرية، مع التركيز على أسلوب حياة مستدام ومستقل، يوازن بين الراحة والتفاعل مع الطبيعة.
✦ تحليل ArchUp التحريري
يمثل مشروع منزل ماراثا تجربة معماريّة مثيرة للاهتمام في دمج التراث التقليدي مع متطلبات الحياة المعاصرة. يمكن تقدير بعض الجوانب الإيجابية مثل الاهتمام بالاستدامة، استخدام المواد المحلية، وتنظيم الفراغات بشكل يسمح بتدرج سلس بين المساحات المفتوحة والمغلقة، وهو ما يعكس وعيًا بالموروث العمراني ونمط الحياة العائلي الممتد. كما أن إدماج تقنيات مثل أبراج الهواء للتبريد الطبيعي وألواح الطاقة الشمسية يعكس محاولة جادة للتقليل من الاعتماد على الأنظمة الميكانيكية.
مع ذلك، يبرز عدد من التحفظات من منظور معماري أوسع. فعلى الرغم من أن المشروع يحافظ على الطابع التقليدي، إلا أن إعادة تفسير عناصر الغادي لم تُطرح بطريقة مرنة تمامًا للتكيف مع تغيّر احتياجات الأسرة المستقبلية أو الاستخدام المتنوع للمساحات. كما أن التركيز على الأساليب التقليدية في البناء قد يحد من فرص الابتكار في دمج تقنيات جديدة أو مواد أخف وأكثر فعالية، وهو ما قد يؤثر على قدرة المبنى على التطور أو التوسع مستقبليًا. علاوة على ذلك، قد يشكل الاعتماد الكبير على البنية الثقيلة للجدران الحجرية والطوبية تحديًا من حيث التكلفة، الصيانة، أو التكيف مع المناخات المختلفة، وهو أمر يجب أخذه في الاعتبار عند تطبيق هذه التجربة في سياقات معمارية أخرى.
يمكن الاستفادة من هذا المشروع كنموذج تجريبي لفهم كيفية مزج التراث مع الاستدامة الحديثة، مع التركيز على التعلم من التوازن بين المواد التقليدية والتقنيات المعاصرة، وإعادة التفكير في مرونة التصميم لمواجهة المتغيرات المستقبلية. كما يمكن للممارسين الشباب دراسة كيفية توظيف الفراغات والأنظمة السلبية في تحسين جودة الحياة اليومية دون الاعتماد المفرط على الحلول التقنية، وهو درس معماري قيم لكل من يهتم بالتصميم المستدام والتفاعل بين القديم والحديث.
قُدم لكم بكل حب وإخلاص من فريق ArchUp
لا تفوّت فرصة استكشاف المزيد من أخبار معمارية في مجالات الفعاليات المعمارية، و مشاريع معمارية، عبر موقع ArchUp.
