A COBOD BOD2 3D construction printer creating the concrete walls of the Skovsporet student housing project with a technician monitoring progress.

مشروع Skovsporet يعيد صياغة الإسكان الطلابي عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد وحفظ البيئة

Home » الإنشاءات » مشروع Skovsporet يعيد صياغة الإسكان الطلابي عبر الطباعة ثلاثية الأبعاد وحفظ البيئة

مشروع Skovsporet: قراءة تحليلية في إسكان مطبوع ثلاثي الأبعاد

في بلدة هولستيبرو الدنماركية، يظهر مشروع Skovsporet (مسار الغابة) كنموذج معماري يعكس تحولًا واضحًا في طرق التفكير في الإسكان المعاصر. فبدل النظر إليه كإنجاز تقني منفصل، يمكن فهمه كحالة دراسية حول مستقبل الإسكان الميسّر، خاصة في البيئات التعليمية.

المشروع، من تصميم SAGA Space Architects، يتمثل في قرية طلابية مكوّنة من 36 شقة، وهو بذلك يُعد أكبر مشروع إسكان مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في أوروبا حتى الآن. إلا أن أهميته لا تكمن في الرقم بحد ذاته، بل في الأسئلة التي يطرحها حول الكفاءة، والاستدامة، وإمكانية التكرار.

التنظيم العمراني وبناء مجتمع مصغّر

يتكوّن Skovsporet من ستة مبانٍ، يضم كل منها ست شقق طلابية، لتتشكل بينها بنية سكنية متقاربة تشجع على التفاعل الاجتماعي. هذا التوزيع لا يخدم الكثافة فقط، بل يخلق إحساسًا بمجتمع صغير متكامل، خاصة مع قربه من حرم VIA University College الجامعي.

ومن هنا، لا يبدو المشروع مجرد حل سكني مؤقت، بل محاولة لإعادة تعريف علاقة الطالب بالمسكن، بوصفه مساحة للعيش والتفاعل وليس فقط للنوم.

سرعة التنفيذ كعامل تحوّل

أحد أكثر الجوانب دلالة في المشروع هو التطور الزمني لعملية البناء. ففي حين استغرق طباعة المبنى الأول عدة أسابيع، تقلّص الزمن تدريجيًا مع كل مرحلة. وعند الوصول إلى المبنى الأخير، لم تتجاوز مدة الطباعة خمسة أيام فقط.

هذا التحسن لا يعكس سرعة تقنية فحسب، بل يكشف عن طبيعة الطباعة ثلاثية الأبعاد كنظام يتعلم ويتحسن مع التكرار. ومع ذلك، فإن هذه السرعة تفتح بابًا لنقاش أوسع حول مقارنة هذه التقنيات بأساليب البناء التقليدية، خاصة من حيث الكفاءة الاقتصادية وإمكانية التوسع على نطاق أوسع.

Close-up of 3D printed concrete wall sections with visible layer textures at the Skovsporet construction site.
الملمس العضوي الفريد لجدران الخرسانة المطبوعة ثلاثية الأبعاد يوفر لكل وحدة في مشروع Skovsporet متانة هيكلية إلى جانب جمالية عصرية. (من تصوير: SAGA Space Architects)
Exterior visualization of Skovsporet student housing pods surrounded by lush greenery and wildflowers.
يعطي تصميم Skovsporet أولوية للاندماج السلس بين الهياكل المطبوعة ثلاثية الأبعاد المبتكرة والمساحات الطبيعية، بهدف تعزيز رفاهية الطلاب. (من تصوير: SAGA Space Architects)

السكن كوحدة معيشية متكاملة

تعاملت SAGA Space Architects مع المشروع بوصفه بيئة سكنية حقيقية، لا نموذجًا تجريبيًا لإثبات جدوى التقنية. تتراوح مساحات الشقق بين 39 و50 مترًا مربعًا، لكنها صُممت لتستوعب جميع احتياجات الطالب اليومية: مطبخ، مساحة دراسة، منطقة جلوس، حمام، وسرير مزدوج.

ورغم المساحة المحدودة، تلعب النوافذ السقفية الكبيرة دورًا حاسمًا في تحسين جودة الفراغ الداخلي. إذ تسمح بدخول ضوء طبيعي وفير، ما يخفف الإحساس بالانغلاق ويمنح الشقق شعورًا بالاتساع يتجاوز أبعادها الفعلية.

موازنة المادة الخام بالدفء البصري

تطرح الجدران الخرسانية المطبوعة ثلاثيًا تحديًا بصريًا معروفًا، إذ قد تبدو قاسية أو صناعية الطابع. لذلك، لجأ المعماريون إلى تشطيبات خشبية وعناصر زجاجية لتلطيف هذا الأثر، وخلق توازن بين الصلابة الإنشائية والراحة النفسية.

هذه المقاربة لا تغيّر المظهر فقط، بل تعكس فهمًا واعيًا لعلاقة المستخدم بالمواد، حيث يصبح السكن أقرب إلى مساحة معيشية مريحة بدل أن يبدو امتدادًا لتجربة تقنية بحتة.

الطباعة ثلاثية الأبعاد كعملية دقيقة لا فائض فيها

على مستوى التنفيذ، تُظهر عملية الطباعة درجة عالية من الانضباط والكفاءة. إذ يعتمد المشروع على جهاز BOD3 من شركة COBOD، والذي تشغّله 3DCP Group، لترسيب الخرسانة بدقة ميليمترية، وبناء الجدران طبقة تلو الأخرى فقط في المناطق التي تتطلب دعمًا إنشائيًا فعليًا.

يؤدي هذا النهج إلى تقليل الهدر المادي بشكل ملحوظ مقارنة بالبناء التقليدي، حيث غالبًا ما تنتهي كميات كبيرة من المواد غير المستخدمة كنفايات. هنا، لا تُطبع إلا الكتلة الضرورية، ما يجمع بين الكفاءة الإنشائية والمسؤولية البيئية.

Students sitting at an outdoor table in the communal garden area of the Skovsporet 3D printed housing complex.
تُعد الاستدامة الاجتماعية ركيزة أساسية في مشروع Skovsporet، حيث يوفر للطلاب مساحات خارجية جذابة للتفاعل والاسترخاء. (من تصوير: SAGA Space Architects)

الاندماج مع الطبيعة بدل إخضاعها

ما يمنح Skovsporet خصوصيته الحقيقية هو طريقة تعامله مع الموقع الطبيعي القائم. فبدل إزالة الغطاء النباتي لتسهيل التنفيذ، اختار الفريق العمل حول الأشجار الموجودة، معتبرًا إياها عنصرًا مُشكّلًا للمشروع لا عائقًا أمامه.

تم تحديد مواقع منصّات الطباعة بعناية شديدة، ما أتاح الحفاظ على 95٪ من الغطاء النباتي الأصلي. هذا القرار لم يكن رمزيًا، بل تطلّب تخطيطًا دقيقًا ومرونة في توزيع الكتل ومسارات البناء، وهو ما يندر تحقيقه في مشاريع إسكان بهذا الحجم.

المشهد الطبيعي كجزء من التجربة السكنية

أثناء التجوّل داخل المشروع، لا تبدو الطبيعة محيطًا خارجيًا فحسب، بل عنصرًا حاضرًا داخل النسيج العمراني نفسه. أشجار يتجاوز عمرها مئة عام تقف بين مجموعات الشقق، مانحة الظلال والهدوء، ومضيفة طبقة زمنية وإنسانية يصعب تصنيعها معماريًا.

بهذا المعنى، لا يعمل المشروع على تقليل أثره البيئي فقط، بل يعيد تعريف العلاقة بين السكن والطبيعة، حيث يصبح التعايش هو المبدأ الأساسي لا التعويض اللاحق.

التقدّم الزمني للمشروع

اكتملت المرحلة الرئيسية لطباعة الهياكل الخرسانية في نوفمبر 2025، لتشكّل نقطة تحوّل أساسية في مسار التنفيذ. حاليًا، تتواصل أعمال تركيب الأسقف بالتوازي مع التشطيبات الداخلية، ضمن جدول زمني منتظم، على أن يبدأ الطلاب الانتقال إلى وحداتهم السكنية المطبوعة ثلاثيًا في أغسطس 2026.

هذا التسلسل المرحلي يعكس قدرة التقنية على الاندماج مع عمليات البناء التقليدية بدل أن تستبدلها بالكامل.

دلالات تتجاوز السياق المحلي

لا تنحصر أهمية Skovsporet في كونه مشروع إسكان طلابي في بلدة دنماركية صغيرة. ففي ظل تصاعد أزمة السكن الميسّر في العديد من المدن الأوروبية، يطرح المشروع نموذجًا بديلًا قابلًا للنقاش، يعتمد على السرعة، وتقليل الهدر، وقابلية التوسّع.

وبالنسبة إلى SAGA Space Architects، يمثّل هذا المشروع انتقالًا واضحًا للطباعة ثلاثية الأبعاد من حيّز التجريب إلى التطبيق الواقعي. فما بدأ كفكرة قبل عامين، تحوّل إلى حي سكني قائم، يبرهن أن الابتكار المعماري الجذري لا يتعارض بالضرورة مع قابلية العيش، أو الاستدامة، أو جودة التصميم.

Modern interior of a Skovsporet student apartment featuring a wooden loft bed, 3D printed walls, and minimalist furniture.
داخل وحدات Skovsporet: تصميم داخلي مدمج وعملي، حيث تتباين التشطيبات الخشبية الدافئة بشكل جميل مع الخرسانة الرمادية المطبوعة ثلاثية الأبعاد. (من تصوير: SAGA Space Architects)

تحليل ArchUp التحريري

يمكن النظر إلى Skovsporet كنموذج عملي يوضح إمكانيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في الإسكان الطلابي، خاصة من ناحية السرعة في التنفيذ والحفاظ على الغطاء النباتي، ما يعكس وعيًا بالاستدامة والتكامل مع البيئة. كما أن التصميم يوفّر حلولًا مبتكرة لمساحات صغيرة، مع إتاحة الضوء الطبيعي وخلق مجتمع مصغّر متفاعل، مما يضفي بعض الفوائد الاجتماعية والمعمارية على مستوى تجربة المستخدم.

ومع ذلك، تظهر بعض الجوانب التي تستدعي النظر بعين التحفظ: أولًا، التقنية لا تزال جديدة نسبيًا، وقد تواجه تحديات تتعلق بالصيانة الطويلة الأمد، وتكيف المواد الخرسانية المطبوعة مع الظروف المناخية المختلفة. ثانيًا، الاعتماد الكبير على الطباعة ثلاثية الأبعاد قد يحد من مرونة التعديلات المستقبلية مقارنة بأساليب البناء التقليدية، خصوصًا إذا ما تمّ تكييف المشروع لمواقع أو برامج إسكانية مختلفة. أخيرًا، على الرغم من تقليل الهدر وتحقيق الكفاءة، فإن التكلفة الأولية للأجهزة والتقنيات المتقدمة قد تشكّل عائقًا أمام تطبيق واسع النطاق في مشاريع الإسكان الاجتماعي.

يبقى المشروع فرصة قيمة لدراسة تكامل التكنولوجيا الحديثة مع المبادئ المعمارية التقليدية، خاصة في مجال الإسكان الميسّر، إذ يتيح للممارسين والباحثين فحص العلاقة بين التقنية والبيئة، وفهم كيفية توازن الابتكار مع الواقع العملي والتنفيذي.


Further Reading from ArchUp

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *