تصميم مستوحى من الطبيعة بجذور تاريخية عميقة
في صناعة يهيمن عليها استخدام المواد الصناعية، قدّمت استوديو التصميم النيويوركي Earth to People أول مجموعة أثاث له باستخدام صمغ الأشجار وخشب الأرز المعمّر. يعتمد هذا النهج على دمج الأساليب القديمة مع الجماليات الحديثة لصناعة أثاث بيئي يجمع بين الاستدامة والتصميم المعمق.
تُدعى المجموعة Salvage and Sap، وتتألف من ثماني قطع من الأثاث والإضاءة المصنوعة يدويًا من خشب الأرز المتساقط بفعل الرياح والألمنيوم المعاد تدويره، والمصادر من غابات ومراكز إعادة التدوير في كولومبيا البريطانية. لكن ما يجعل هذه المجموعة مميزة فعلاً هو استخدامها الصمغ النقي من الأشجار بدلًا من المواد اللاصقة الصناعية الملوثة.
إحياء الحرف القديمة من أجل الحياة المعاصرة
يسعى المؤسسان جوردان وبريتني ويلر إلى العودة لفنون الصناعة التقليدية مع الحفاظ على النزاهة البيئية. وقد استخدما صمغ الأشجار في إشارة إلى أقدم طرق اللصق، التي تعود إلى ما قبل 45,000 عام.
“يُعتقد أن صمغ الأشجار هو أول مادة لاصقة استخدمها الإنسان”، يقول الزوجان. “أردنا تصميم أثاث يخلو من المواد السامة والإنتاج الضخم، ويعيد الاتصال بطريقة صنع الأشياء قديمًا.”
يتم جمع الصمغ من مناطق محددة على جذوع أشجار الصنوبر، حيث يتراكم بشكل طبيعي لعلاج الجروح. ثم يتم تسخينه وتصفية شوائبه عبر شبكة معدنية وقطعة قماش لإنتاج راتنج نقي يُستخدم كمادة لاصقة قوية.
قطع أحادية منحوتة من خشب الأرز بعمر 400 عام
من أبرز التصاميم كرسي مكوّن من ثلاث كتل ضخمة من خشب الأرز تم نحتها يدويًا من شجرة يزيد عمرها عن 400 عام. يتميز بشكله الوحشي المهيب، ويُجمع باستخدام أوتاد خشبية وصمغ الأشجار، دون أي براغٍ أو مواد صناعية.
كما تشمل المجموعة مصباح أرضي مصنوع من شرائح خشب مأخوذة من شجرة أرز عمرها 300 عام، تم ربطها بحبل يدوي مصنوع من لحاء الأرز. أما الغطاء العلوي فهو مصباح مطوي من الخشب، يعكس مبدأ استخدام كل جزء من الشجرة دون إهدار، حتى اللحاء.
دور الألمنيوم: تحية للتدوير في الحضارات القديمة
تتضمن المجموعة عناصر معدنية مصنوعة من ألمنيوم معاد تدويره، مثل مصباح طاولة أسطواني، ومصباح جداري مستطيل كبير، بالإضافة إلى كرسي يجمع بين الخشب والمعدن، مزوّد بوسادة مصممة خصيصًا من القطن والقنب ومبشور خشب الأرز الناتج من عمليات التصنيع.
“كان القدماء يعتبرون المعادن موردًا ثمينًا، وكانوا يعيدون استخدامها دائمًا”، يوضح المصممان. “لذا فإن استخدام الألمنيوم المعاد تدويره في هذه المجموعة يعكس هذا الفكر الواعي.”
يمنح التشطيب المصقول للمعدن تباينًا بصريًا جميلاً مع خامة الأرز الطبيعية، مما يخلق توازناً بين الصلابة العضوية والدقة الصناعية.
من الغابة إلى المنزل: شفافية تامة في مصدر الخشب
تم تجفيف كل قطعة خشب مستخدمة في الهواء الطلق (وليس عبر أفران)، لتوفير الطاقة. والأهم أن كل قطعة خشب مرتبطة بـ إحداثيات GPS دقيقة، مما يسمح للعملاء بمعرفة المكان الذي جاءت منه المواد.
وهذا الجانب من الشفافية يمثل أهمية خاصة لجوردان ويلر، الذي نشأ في كولومبيا البريطانية وشهد آثار قطع الأشجار الجائر على البيئة والموائل الطبيعية.
“معرفة مصدر الخشب يعزز العلاقة بين المنتج وصانعه والطبيعة”، يقول المصممان. “لا يتعلق الأمر فقط بالأخلاقيات، بل بالسرد والمحاسبة أيضًا.”
منظور معماري: الأثاث كمعمار مصغّر
من زاوية معمارية، تبدو كل قطعة في مجموعة Salvage and Sap وكأنها هيكل مصغر. فالكرسي الأحادي يشبه نُصبًا صغيرًا يقدّس المادة الخام، في حين أن تصميم المصابيح بطياته يذكر بتقنيات تغليف الواجهات الخشبية، وتفاصيل التجميع تعكس تقنيات النجارة التقليدية.
تدمج لغة التصميم بين تراث أمريكا الشمالية في البناء التقليدي والحرف اليدوية الأصلية، مع مفاهيم الحداثة حول الشكل والوظيفة. التخلي عن المواد الصناعية، مع التوازن بين الجمال الطبيعي والدقة، يجعل من هذه القطع معمارًا حيًا.
رؤية تتجاوز الصيحات المؤقتة
في زمن أصبحت فيه كلمة أثاث بيئي مجرد مصطلح تسويقي، تقدم Earth to People مشروعًا يتجسد فيه معنى الاستدامة الحقيقي من خلال فهم المواد، والوعي التاريخي، والحرفية اليدوية.
كل قطعة تبدو كأنها أثر مستقبلي – بسيطة لكنها مليئة بالقصص، عضوية لكنها دقيقة، خام لكنها متقنة.
تقول هذه المجموعة إن الاستدامة لا يجب أن تكون “نمط حياة” مؤقتًا، بل عودة لطريقة صنع الأشياء بحس إنساني وذاكرة ثقافية وصبر حقيقي.
لكل من يبحث عن مصدر معماري موثوق ومواكب، ArchUp يقدم محتوى متجدد يغطي المشاريع والتصميم والمسابقات.
للمزيد على ArchUp: