تصميم المناظر الطبيعية: فن تحويل الطبيعة إلى عمارة مستدامة
فهم السياق البيئي كجزء من العملية التصميمية
في عالم العمارة الحديثة، لم يعد دور المصمم مقتصرًا على ابتكار أشكال جمالية فحسب، بل أصبح يشمل أيضًا فهمًا عميقًا للطبيعة التي تُقام عليها المشاريع. من هنا، برز مفهوم “بنية المناظر الطبيعية“ و أهمية تصميم المناظر الطبيعية المستدامة كمحور أساسي في تأهيل المصممين المعماريين المعاصرين.
يتطلب تصميم المشهد الطبيعي المهارة في قراءة الخصائص البيئية وتحليلها، ليس بهدف التكيف معها فحسب، بل لتوظيفها كعناصر تصميمية فعّالة تخلق توازنًا بين الجمال والوظيفة والاستدامة.
التعلم من التجربة والخبرة
في السياقات التعليمية المتقدمة، أصبح من الضروري أن يتفاعل الطلاب مباشرة مع تجارب تصميم حقيقية ومع معماريين من الطراز الرفيع. هذا النهج يتيح للمصممين الصاعدين تطبيق ما تعلموه في بيئات واقعية، حيث يتقاطع الخيال المعماري مع التحديات البيئية والاجتماعية.
في إحدى هذه المبادرات التعليمية المتقدمة، أتيحت الفرصة للطلاب للعمل مع معماريين عالميين على إعادة توظيف منشأة صناعية مهجورة وتحويلها إلى مشروع معماري جديد، يعكس فهماً عميقًا للسياق والمكان.
مشروع ورشة التصميم: منجم الملح كمصدر إلهام
في نسخة حديثة من أحد البرامج التعليمية، نُفّذت ورشة عمل بالتعاون مع شركة Italkali في موقع فريد: كاري الملح القديمة المهجورة في صقليّة. تحت إشراف المعماري النمساوي باتريك لوث من مكتب Snøhetta الشهير، خاض الطلاب تحديًا فريدًا لإعادة تخيل هذا المكان وتحويله من رمز صناعي مهجور إلى فضاء معماري ينبض بالحياة والجمال.
هذه التجربة لم تكن مجرد تدريب تصميمي، بل كانت فرصة لفهم ديناميكية العلاقة بين العمارة والمكان، وكيف يمكن لموقع يبدو ميتًا أن يستعيد نبضه من خلال رؤية تصميمية جديدة ومستدامة.

Scape: إعادة تصور الولوج إلى منجم الملح
بين السطح والعمق: قراءة جديدة للتضاريس
قدم مشروع Scape، الذي صممه كل من هاديل أيد وفيرا جلاسيفا وورانيتا سوكواتاناسومبات، رؤية مبتكرة تعيد تعريف العلاقة بين الزائر والموقع الطبيعي، وتحديدًا منجم الملح. لا يقتصر التصميم على تحسين الوصول إلى الموقع، بل يعيد تشكيل التضاريس الانتقالية لتربط بسلاسة بين المساحات السطحية والعناصر الجيولوجية العميقة.
هندسة الضوء والفراغ: تجربة حسية متعددة الطبقات
يرتكز المشروع على خلق تجربة مكانية تتدرج من الطبيعة إلى العمق المعماري. فقد صُممت تضاريس جديدة تحتضن عدة وظائف معمارية مثل:
- حديقة منحوتة
- قاعة محاضرات
- مطعم
- مساحة عرض فنية
كل هذه العناصر ترتبط ببعضها من خلال فراغات رأسية تنساب فيها الإضاءة الطبيعية، مما يعزز البعد الحسي في تجربة الزائر.
التصميم كاستكشاف طبقي
ما يميز Scape هو أسلوبه المتدرج في التعبير المعماري؛ فبدلاً من فرض عنصر بصري مهيمن، يتعامل التصميم مع الموقع عبر طبقات، مستلهمًا من البرامج والمسارات الموجودة، فيضخمها ويعيد صياغتها دون أن يلغيها.
تقاطع الزمان والمكان
يمكن النظر إلى المشروع على أنه عتبة مكانية، يلتقي فيها التاريخ الجيولوجي للموقع بالبعد المعماري المعاصر. هذا التلاقي لا يُترجم فقط في الشكل، بل أيضًا في الشعور الذي يولده المكان، حيث يُدعى الزائر إلى التوقف والتأمل، وكأن الموقع نفسه يحكي قصةً عمرها آلاف السنين.
أُنجز المشروع ضمن إطار دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية”، بإشراف المعماري باتريك لوث.

S-Alt City: المدينة ما بعد الصناعة
إعادة تخيل المشهد الصناعي من خلال طبقات الحياة
يقدّم مشروع S-Alt City تصورًا مستقبليًا لموقع ما بعد صناعي، حيث تُستحضر ذاكرة إنتاج الملح لتصبح أساسًا لتكوين عمراني وثقافي متجدد. صمّم المشروع كل من ناصر أحمد، ناتاليا ماريانا بيانكو ودافيد فيليبي، ويسعى إلى تحويل الموقع إلى تضاريس ديناميكية تعكس تفاعل البنية التحتية مع الإنسان والطبيعة.
وحدات مرنة ومسارات متغيرة
يستخدم التصميم وحدات معيارية ومسارات مرتفعة مستوحاة من أحواض الملح التقليدية، لكن بإعادة تفسير معاصرة. ما يميز هذا المشروع هو دمج العمليات البيئية – مثل تبخر الماء وإعادة استخدام الموارد – مع الأنشطة اليومية والبشرية، مما يعزز العلاقة بين الطبيعة والمجتمع.
المدينة كنظام حي ومتغير
يتعامل S-Alt مع البيئة باعتبارها كائنًا حيًا، حيث المرونة والقدرة على التكيف هما جوهر التصميم. هنا، لا تتجمد العمارة في شكل واحد، بل تتطور باستمرار استجابةً للتغيرات المناخية والاجتماعية والثقافية، لتصبح المدينة نظامًا تفاعليًا متكاملًا داخل الإقليم.
المشروع تم تطويره ضمن دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية” بإشراف باتريك لوث.
الملح الأزرق: منجم يتحول إلى حديقة ثقافية
مشهد هجين يتجاوز التوظيف الصناعي
في مشروع الملح الأزرق، يستكشف المعماري ستيفن كامباني مع فريقه (Zexi Li، Pedro Paes Morais، Catherine Barefoot) إمكانية تحويل منجم الملح المهجور إلى فضاء ثقافي نابض بالحياة. يستند المشروع إلى استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى دمج عناصر البيئة والذاكرة والمجتمع في حديقة عامة متعددة الوظائف.
تجربة حسية في فضاء متعدد الاستخدامات
يضم المشروع مساحات داخلية وخارجية مخصصة للمعارض الفنية والعروض المسرحية والترفيه، ضمن تصميم يأخذ الزائر في رحلة حسية ومكانية. من خلال:
- مسارات مظللة
- منصات تجمّع
- مراحل مشكّلة من الملح
كل هذه العناصر تخلق توازنًا بين الإبداع الفني والانغماس البيئي.
استرداد الفضاء الصناعي كفضاء عام
يتجاوز التدخل الجانب الجمالي ليصبح وسيلة لاستعادة الفراغات الصناعية المهجورة، وتحويلها إلى أماكن عامة نشطة تعزز الاستمرارية الثقافية وتجدد العلاقة بين الإنسان والمكان.
أُنجز المشروع أيضًا في إطار دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية”، تحت إشراف باتريك لوث.


Centr/Alite: تحويل مشهد الملح إلى بنية تحتية عامة
إعادة تعريف استخدام المناظر الطبيعية الصناعية
يطرح مشروع Centr/Alite – الذي صمّمته رافايلا نيكوليتيس، بيزا إيتين وآنا مورا – رؤية جديدة لمشهد استخراج الملح، من خلال التعامل معه كبنية تحتية تخدم الراحة، الترفيه، والاستكشاف. يخرج المشروع عن الإطار التقليدي، ليحوّل المساحات الصناعية إلى بيئات حيوية نابضة بالأنشطة المجتمعية.
ترابط معماري ومسارات متداخلة
يشمل التصميم مقترحًا لإنشاء خط ترام جديد يربط بين مناطق المشروع، إلى جانب مسارات مخصصة للمشاة والدراجات، وسلسلة من العُقَد المعمارية تشمل:
- مركز للزوار
- سوق محلي
- مسرح مفتوح
يساهم هذا الترابط في خلق تجربة متكاملة للزائر، حيث يتنقل بين نقاط وظيفية وترفيهية ضمن بيئة واحدة.
الملح كبطل سردي في التصميم
في قلب المشروع، الملح ليس مجرد مورد طبيعي، بل يتحوّل إلى رمز سردي يؤطر التجربة المعمارية. من خلال التركيز على سهولة الوصول والاستدامة البيئية، يخلق المشروع مساحات تحترم احتياجات العمال وتُلهم الزوّار للتأمل في العلاقة بين الطبيعة والصناعة والثقافة.
من البنية التحتية إلى المشهد الثقافي
بفضل استخدام المواد الطبيعية واستراتيجيات ترشيح الضوء، يُعاد تشكيل الممر الصناعي ليصبح مشهدًا تجريبيًا وثقافيًا يدعو للاستكشاف، ويجعل من عملية استخراج الملح تجربة بصرية ووجدانية.
المشروع نُفذ ضمن دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية” بإشراف المعماري باتريك لوث.

Transitorre: برج الانتقال والتجربة المكانية
نقطة التقاء بين الإنسان والبيئة
يُقدم مشروع Transitorre، من تصميم لويس كاسترو وتارين ترانست، تصورًا معماريًا يعمل كنقطة محورية تجمع بين التفاعل الإنساني والتواصل البيئي. في هذا المشروع، تتحول العمارة من مجرد شكل إلى وسيط محفّز للحوار بين المكان ومستخدميه.
البرج كرمز للتاريخ والتجربة
يأتي التدخل الرئيسي في هيئة برج عمودي يمثل لفتة معمارية تفاعلية. لا يعمل البرج فقط كعنصر بصري، بل يجسد التاريخ والوظيفة، حيث يصبح بمثابة جهاز يخاطب الزائرين من خلال التجربة الحسية والبصرية، ويربط بين الماضي والحاضر والمستقبل.
منظومة متكاملة للمكان
صُمم المشروع ليربط بين عدة عناصر وظيفية ضمن شبكة مترابطة تشمل:
- مركز زوار
- بيازا (ساحة عامة)
- مسارات مشي متشابكة
يمثل هذا التكوين محاولة لخلق مسار زمني ومكاني متنقل، يرافق الزائر خلال استكشافه للموقع، ويجعله جزءًا من القصة المعمارية.
واجهة تتنفس وتتغيّر
تُعد واجهة البرج من أكثر عناصر المشروع تميّزًا، حيث تم تصميمها باستخدام مادة الملح، التي تُرشح الضوء والهواء بطريقة طبيعية، وتشكل جلدًا مساميًا متغيرًا بمرور الزمن. هذه الاستراتيجية لا تعزز فقط الأداء البيئي، بل تمنح المبنى شخصية حية تتطور مع تغير الظروف المناخية والزمنية.
المشروع هو نتاج دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية” ضمن إشراف المعماري باتريك لوث.

بين الإدراك والخيال: تجربة حسية عبر مشهد متحول
مساحة تتخطى الملموس
في مشروع يجمع بين الفن المعماري والتجربة الإنسانية الحسية، يقدم أوغستو ديلاسيو، أوستو جيري جيروكسي، وS. سيمجي دوغا هولتزلر تصورًا معماريًا يعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان. لا يكتفي المشروع بالبناء فوق الأرض، بل يغوص في عمق الطيف العاطفي والإدراكي للزائر.
أدوات حسية لإثارة الانفعالات
يستخدم التصميم مجموعة من العناصر الطبيعية والمعمارية لإنتاج تجربة شاملة، تشمل:
- الملح كمادة تتفاعل مع الضوء والرطوبة
- الضباب لتكوين عوالم مبهمة
- الأسطح العاكسة لإعادة تعريف الفضاء
- الإضاءة والصوت لإثارة مشاعر متعددة
تتداخل هذه العناصر لتخلق مسارات حسية متغيرة تحفّز التفكير والتأمل والانغماس التام.
تنقّل داخل مشاهد متغيرة
يخوض الزائر رحلة عبر تجارب بصرية وسمعية تبدأ بفراغات معكوسة وأضواء عائمة، وتمر عبر عواصف ملحية رمزية، وتصل إلى تماثيل مغطاة بالضباب. كل محطة في هذه الرحلة تقدم تجربة خاصة ومتفردة تدعو للتفاعل الداخلي، وكأنها محطة من محطات الحياة النفسية.
عمارة مستوحاة من الأسطورة والشعر
المشروع يستلهم لغته البصرية من الروايات الأسطورية والنصوص الشاعرية، ليعيد تشكيل المشهد الطبيعي كأداة للتعبير والتأمل. تتحول المناظر الطبيعية إلى رحلة سردية وعاطفية، يُستخدم فيها المكان كوسيلة لرواية القصص واستكشاف الخيال الجمعي.
المشروع نتاج دورة “الهندسة المعمارية للمناظر الطبيعية”، تحت إشراف المعماري باتريك لوث.