العمارة والمصير الإنساني: ارتباط لا ينفصم
“تتشابك الهندسة المعمارية بشكل وثيق مع مصير الإنسانية – ستتطور وتجدد نفسها، كما كان الحال دائمًا. طالما أن البشرية لا تهلك، فإن الهندسة المعمارية لن تكون كذلك.” في سياق هذا التطور، برز اسم ليو جياكون لجائزة بريتزكر 2025.
بهذه الكلمات العاطفية، اختتم المهندس المعماري الصيني ليو جياكون خطابه خلال حفل تسلمه جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية لعام 2025. تعكس هذه العبارة إيمانًا عميقًا بأن العمارة ليست مجرد مهنة، بل مرآة تعكس تطور الإنسان وتفاعله مع محيطه عبر الزمن.
الحفل وموقعه الرمزي
الاحتفال هذا العام أُقيم على الدرجات الرئاسية لموقع “جان نوم”، في مناسبةٍ استثنائية تُعدّ الثانية فقط التي تُعقد في منطقة الشرق الأوسط، بعد الاحتفال الذي كرّم المهندس ريم كولهاس عام 2000 في حديقة القدس الأثرية. يُذكر أن النسخ السابقة من الحفل أقيمت في مدن مثل شيكاغو وأثينا، وبين فترات تاريخية مؤثرة كذروة جائحة كوفيد-19.
ليو جياكون: صوت جديد من الصين
ليو، المقيم في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، يُعد ثاني معماري صيني يفوز بهذه الجائزة المرموقة، بعد وانغ شو الذي نالها عام 2012. في مقابلة سابقة هذا العام، ناقش ليو جوانب متعدّدة من فلسفته المعمارية، بدءًا من تأثره بالأدب، وصولاً إلى أهمية الذاكرة الجماعية في تشكيل التصاميم المعمارية.
من الجدير بالذكر أن مقاطعة سيتشوان، كما أشار ليو، تشتهر بـ”الباندا العملاقة، والمأكولات الحارة، وكذلك بأسلوب الحياة المتسامح والثقافة المنفتحة”.
حضور بارز في الأمسية
ضمّ الحفل نخبة من أبرز الأسماء في مجال العمارة، منهم مهندسون سبق لهم نيل الجائزة مثل:
- آن لاكاتون وجان فيليب فاسال (2021)
- أليخاندرو أرافينا (2016)
- كازويو سيجيما (2010)
- جون نوفيل (2008)
كما كان الحفل محط اهتمام عدد كبير من الشخصيات البارزة، من بينهم أمراء من دولة الإمارات العربية المتحدة، وعدد من السفراء وكبار الشخصيات، بالإضافة إلى لجنة تحكيم جائزة بريتزكر لعام 2025 والتي ضمت أسماء مثل:
باري بيرجدال، ديبورا بيرك، أندريه كوريا دو لاجو، هاشم سرّكس، لاكاتون، وسيجيما.
لحظة الامتنان: البداية بتقدير الروابط الإنسانية
استهل المعماري الصيني ليو جياكون خطابه بكلمات تقدير وامتنان موجّهة إلى أقرب الأشخاص في حياته. شكر أصدقاءه، عائلته، زملاءه، عملاءه، وهيئة التحكيم التي منحته شرف الفوز بجائزة بريتزكر. في لحظة عفوية تعكس طبيعته الودودة، أشار حتى إلى قططه الثلاث المقيمات في الاستوديو الخاص به.
تأثير الجائزة: مزيج من الدهشة والشفاء
روى ليو بأسلوب شخصي طريف أنه كان يعاني من صداع عندما تلقى المكالمة التي بشّرته بفوزه، لكن الألم اختفى فورًا بعد سماعه للخبر. واختتم الموقف مازحًا:
“من الواضح أن جوائز الهندسة المعمارية لها تأثير شفاء سحري على المعماريين – يفترض أن يكون للبناء نفس التأثير على مستخدميه.”
هذه العبارة، على بساطتها، تحمل رؤية ضمنية بأن المعمار الجيد لا يقتصر على الشكل، بل يؤثر عاطفيًا ونفسيًا في الناس.
التأمل في مفاهيم أعمق: الروحانية، التقاليد، والأسلوب
على مدار الخطاب، تطرّق ليو إلى موضوعات عميقة، منها الروحانية، والروابط مع التقاليد المحلية، والعلاقة مع الطبيعة، بالإضافة إلى الأسلوب المعماري. وقد وصف “الأسلوب” بأنه:
“سيف ذو حدين: من المفيد الاعتراف به، لكنه قد يتحوّل إلى قيدٍ يُكبّل الإبداع.”
هذا الطرح يعكس وعيًا نقديًا متقدمًا، يرفض الوقوع في فخ الصيغ الجاهزة، ويدعو إلى البحث عن جوهر المعمار لا شكله فقط.
الهندسة المعمارية كملاذ داخلي
اختتم ليو خطابه بجملة مؤثرة، تعكس رحلته الشخصية مع المهنة:
“في بعض الليالي التي لا أنام فيها، أدرك كم كنت محظوظًا لمشاركتي في مجال الهندسة المعمارية، ومدى قربي من التخلي عنها.
عندما تساءلت عما يمكن أن تقدّمه لي، منحتني بالفعل شيئًا من العودة. وعندما سألت نفسي عما يمكنني أن أقدّمه لها، اكتشفت أنني اكتسبت أكثر بكثير.
أحيانًا، ساعدتني في تجاوز الشعور بالعدم.”
كلماته تلخّص ببراعة كيف يمكن للفن أن يكون ملجأً نفسيًا، ومجالًا للعطاء والتعافي في آن واحد.