متحف بانغجا يوغي: رحلة بين الحرفة والعمارة

متحف بانغجا يوغي: بين المادة والذاكرة

في إحدى القرى السابقة لاستخراج الفحم وسط كوريا، يبرز متحف بانغجا يوغي كمكان ثقافي يجمع بين المادة والذاكرة. المتحف يحتفي بحياة وأعمال الحرفي البارز لي بونغ-جو، الذي كُرِّم باعتباره حاملًا للتراث الثقافي غير المادي الوطني.

إرث لي بونغ-جو وحرفة البانغجا يوغي

كرّس بونغ-جو حياته لفن البانغجا يوغي، وهو تقليد كوري عريق في صناعة أواني المائدة البرونزية يدويًا. هذه الأواني تتميز بلمعانها الدافئ ومتانتها، مما جعلها رمزًا للحرفية الدقيقة التي تنتقل عبر الأجيال.

العمارة كحاضن للذاكرة

المساحة الثقافية الجديدة صممها استوديو هييتش في سيول، بقيادة المعماري هيتشان بارك. لم يكن الهدف مجرد عرض أرشيف بونغ-جو الثمين، بل جاء التصميم ليجسد من خلال بنيته وروحه جوهر هذه الحرفة التقليدية، ويجعل الزائر يعيش تجربة تتجاوز المشاهدة إلى التفاعل مع الذاكرة الحرفية الكورية.

اكتشف متحف بانغجا يوغي في كوريا الجنوبية

فكرة «المبنى داخل المبنى»

استلهم المعماري هيتشان بارك تصميم المتحف من أوجه التشابه بين حِرفة صناعة الأواني البرونزية وبين المساحة التي تحتضنها. ومن هنا وُلدت فكرة مبتكرة: «مبنى داخل مبنى»، حيث يصبح الفضاء نفسه انعكاسًا لعملية التشكيل الحرفي.

المستودع القديم كذاكرة مكانية

المبنى الأصلي كان مجرد مستودع من الفولاذ والخرسانة، استُخدم في السابق لحفظ أرشيف الحرفي. ولإضفاء طابع تقليدي، جرى كسو هذا المستودع بالخشب ليشبه المنزل الكوري التقليدي (هانُك).

التحول نحو الطين كجوهر التصميم

بدلًا من تغيير المستودع مجددًا، اتخذ المعماري مسارًا مختلفًا. فقد قام بإدراج بنية جديدة مصنوعة من الطين داخل الهيكل القائم، ليخلق بذلك طبقة معمارية ثانية تعكس الأصالة والبساطة، تمامًا كما تفعل عملية الطرق المتكررة على المعدن لصياغة الأواني البرونزية.

الجدران الطينية كتجربة حسية

العنصر المعماري الجديد في المتحف يتكوّن من جزأين من جدران الطين المدكوك، مصممة لتوفر للزائر تجربة متعددة الطبقات. فالزائر يستطيع التجول داخل هذه البنية أو على أطرافها، في المساحة الفاصلة بين الطين والهيكل القديم.

حوار بين المواد والذاكرة

هذا التداخل المعماري لا يقتصر على الشكل فحسب، بل يبرز الحالة الخام للمواد، مؤكدًا على قيمتها الأصلية. تمامًا كما يتم طرق البرونز يدويًا لإبرازه في صورته اللامعة، يوحي الطين هنا بعملية الصبر والتكرار التي ترافق الحرفة التقليدية.

غمر الحواس في التجربة

من خلال هذا المزج بين البساطة المادية والتعبير الحرفي، يغمر متحف بانغجا يوغي زواره في عالمٍ تتفاعل فيه الحواس مع الملمس، لتتحول الزيارة من مشاهدة بصرية إلى تجربة مادية كاملة.

السُّلّم كجسر بين المستويات

يُدخل السُّلّم الدائري الجديد الزائر في حركة انسيابية نحو الطابق الثاني حيث تتوزع المعروضات. هذا التصميم لا يضيف بعدًا وظيفيًا فقط، بل يفتح المجال لتجربة عمودية تعمّق من تدرج الرحلة داخل المتحف.

ثقل الأرض وصلابة الذاكرة

في المقابل، تعمل أرضية الجرانيت الصلبة على ترسيخ جميع العناصر وربطها بالأرض. هذا الاختيار المادي يمنح المكان ثباتًا ووزنًا، وكأنه يذكّر الزائر بأن الذاكرة والمعرفة لا تُبنى في الفراغ، بل تحتاج إلى قاعدة متينة.

جدلية المتضادات

المفهوم التصميمي للمتحف يقوم على ثنائية المتناقضات:

• القديم في مواجهة الجديد،
• الأصالة مقابل المحاكاة،
• الذاكرة إلى جانب التجربة الحاضرة.

بهذا يخلق المتحف حوارًا مستمرًا بين الماضي والحاضر، وبين المادة والتجربة، ليجعل الزائر واعيًا بالتحولات التي تصوغ المعنى المعماري والثقافي.

خلاصة التجربة المعمارية

يختتم المعماري هيتشان بارك رؤيته بالتأكيد على أن متحف بانغجا يوغي يجسّد جوهر حرفة لي بونغ-جو. فالمتحف لا يقتصر على عرض الأواني البرونزية، بل يعكس روح العملية الحرفية ذاتها: تحويل المادة الخام عبر الإصرار والتكرار إلى شيء متألّق ومضيء.

حوار بين الطين والبرونز

الجدران الطينية الخشنة للمتحف لا تُعتبر مجرد خلفية محايدة، بل تعمل كإطار نقي وحازم يبرز بريق الأواني البرونزية. هذا التباين بين الخام واللامع، وبين الصلابة واللمعان، يجعل الفضاء المعماري نفسه شريكًا في إبراز الحرفة.

المعمار والحرفة ككيان واحد

في النهاية، يذوب الفاصل بين العمارة والصناعة اليدوية، ليقدّم المتحف تجربة متكاملة يتناغم فيها البناء مع الحرفة، وكأنهما نُسِجا من خيط واحد يوصل الماضي بالحاضر.

✦ تحليل ArchUp التحريري

يمثل متحف بانغجا يوغي تجربة معمارية فريدة تجمع بين الحرفة التقليدية والمواد المعاصرة، ويُظهر ذلك بوضوح من خلال دمج الطين والبرونز في المساحات الداخلية، ومن خلال تصميم السُّلّم والأرضيات التي تعزز تجربة الزائر. ومع ذلك، قد يشعر بعض الزوار بأن الطابع الخام للمواد والجدران الطينية يفرض نوعًا من القسوة البصرية التي قد لا تتناسب مع جميع التوقعات الجمالية، كما أن المفهوم المعماري المعقد قد يصعب فهمه بالكامل دون متابعة شاملة أو دليل إرشادي. إضافة إلى ذلك، قد يشعر البعض أن المساحة المحدودة بين البنية القديمة والطينية لا توفر انسيابية كاملة في الحركة، ما يقلل بعض الشيء من تجربة التجول والتفاعل.

بهذا الشكل، يمنح المتحف انطباعًا غنيًا بالتفاصيل والروح الحرفية، لكنه يترك أيضًا مجالًا للتأمل حول حدود التصميم وتأثيره على الزائر العادي.

قُدم لكم بكل حب وإخلاص من فريق ArchUp

لا تفوّت فرصة استكشاف المزيد من أخبار معمارية في مجالات الفعاليات المعمارية، و التصميم، عبر موقع ArchUp.