أي ويوي في أوكرانيا: كرات التمويه ونسب دافنشي.. منحوتة السلم والحرب في “الجناح 13
مقدمة: الفن في قلب الصراع
في خطوة فنية جريئة، يطلق الفنان العالمي أي ويوي عمله التركيبي الجديد “تثبيت كروي” ضمن فعاليات الجناح 13 في العاصمة الأوكرانية كييف. هذا العمل، الذي تَكلف بتنفيذه بتكليف من منظمة “ريبون الدولية”، ليس مجرد منحوتة تشكيلية، بل هو بيان بصري مكثف ينبض بألم الواقع الأوكراني. يُعرض العمل الفني الرئيسي، الضخم في حجمه ومليئاً بدلالاته، حتى 30 نوفمبر 2025، متحدياً الظروف الأمنية والصعوبات اللوجستية لتقديم صوت الفن وسط دوي الحرب.
القسم الأول: تشريح العمل الفني.. بين الهندسة والتمويه
1.1. الشكل والمضمون: ثلاثة كرات في مواجهة العالم
يتألف التركيب من ثلاث كرات ذات تناسب هندسي مثالي، تم إنتاجها بدقة رياضية عالية تذكرنا بأعمال عصر النهضة. هذه الكرات، بسلاستها المطلقة وكمالها الهندسي، مغطاة بطلاء أبيض يقلد بدقة نمط التمويه العسكري المستخدم في الزي الرسمي. هذا المزج بين الكمال الرياضي والغطاء الحربي هو لب الرسالة التي يوجهها أي ويوي، حيث يتم تنفيذ العمل يدوياً من قبل الفنان وفريقه، مؤكداً على الحرفية المباشرة في التعبير عن قضية إنسانية ملحة.
1.2. الإشارة التاريخية: صلة الوصل مع دافنشي
لا يخفى على المتأمل العملاق الإشارة الفنية العميقة إلى نسبة ليوناردو دافنشي الإلهية، التي تمثل ذروة التفكير العقلاني والإنساني في عصر النهضة. ترمز الدقة الرياضية للكرات إلى النظام والجمال والفكر المنطقي الذي طالما سعت إليه البشرية. هنا، يستخدم أي ويوي هذا الرمز التاريخي ليس لإظهار الإنجاز، بل لمواجهته بالتناقض الصارخ للواقع الحالي.

السياق والموقع.. حوار بين الماضي والحاضر
2.1. الجناح 13: إطار معماري حامل للتاريخ
لا يمكن فصل تأثير العمل الفني عن الموقع الذي يحتضنه. فـ “الجناح 13” في كييف هو نفسه قطعة معمارية تحمل تاريخاً ثقيلاً. تم تشييد المبنى بأسلوب حديث عام 1967 لعرض الإنجازات الصناعية للجمهورية الأوكرانية السوفيتية آنذاك، حيث كانت جدرانه الزجاجية الشفافة ترمز إلى الشفافية والتقدم. اليوم، وبعد تجديده في عام 2025، يصبح هذا الإطار الزجاجي شاهداً على تحول جذري؛ فهو لا يعرض إنجازات صناعية بل يبرز منحوتة تنعي الدمار الناتج عن الصراع. الشفافية التي كانت ترمز للانفتاح أصبحت الآن وسيلة لعرض جرح الحرب للعالم أجمع.
2.2. التطور في مسيرة الفنان: من معاطف المطر إلى التمويه
يمثل هذا العمل تطوراً طبيعياً في المسيرة الفنية لأي ويوي. فإذا كانت منحوتته السابقة “خمس معاطف المطر التي تحمل نجمة” تتعامل مع فكرة الحماية من العناصر الطبيعية، فإن “التثبيت الكروي” يتعامل مع حماية أكثر تعقيداً هي الحماية من عنف الإنسان تجاه أخيه الإنسان. ينتقل الرمز من الحماية السلبية من المطر إلى المواجهة المباشرة لآلة الحرب، مما يظهر تطوراً في خطاب الفنان تجاه القمع والعنف العالمي.


القراءة النقدية والرمزية.. ما وراء السطح
3.1. إثارة التنافر المعرفي
الاستراتيجية الأساسية للعمل هي خلق ما يُعرف بـ “التنافر المعرفي” لدى المشاهد. يشعر المتلقي بالصدمة عندما يرى الكمال الجمالي والرياضي للكرات مغلفاً برمز الدمار والقتال (التمويه). هذا التناقض يدفع المشاهد إلى التساؤل عن كيفية وجود مثل هذا الجمال والإبداع الإنساني في عالم مليء بالصراعات. هل يمكن للعقلانية والجمال أن ينجوا في ظل الحرب؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه العمل دون أن يجيب عنه.
3.2. الخطاب السياسي: الفن كفعل مقاومة
بقرار عرض العمل في كييف أثناء النزاع النشط، يتحول أي ويوي من فنان ينتج أعمالاً عن صراع من مسافة آمنة إلى فنان يشارك في الفضاء الجغرافي والنفسي للصراع. هذا القرار هو بحد ذاته بيان سياسي. إنه يؤكد على دور الفن كشاهد وكوسيلة للمقاومة السلمية، حيث أن التواجد الفعلي في مكان الأزمة يضفي مصداقية وقوة على الخطاب الفني، متحدياً التحديات الأمنية واللوجستية الهائلة.


عندما يتحدث الشكل عن المضمون
ليس “التثبيت الكروي” لأي ويوي مجرد تحفة فنية تُعرض في غاليري، بل هو فصل جديد في سجل الفن المنخرط في القضايا الإنسانية. من خلال الجمع بين أنقى أشكال الهندسة البشرية وأقسى رموز الدمار، يخلق الفنان عملاً يبقى في ذاكرة المشاهد طويلاً. إنه تذكير بإمكانياتنا البشرية المزدوجة: القدرة على خلق الجمال المطلق، والقدرة على تدميره. يظل العمل معروضاً حتى 30 نوفمبر 2025، داعياً العالم للتأمل في هذا التناقض الأزلي.
✦ رؤية تحريرية من ArchUp
يتناول المقال عمل أي ويوي “التثبيت الكروي” الذي يوظف التناقض بين المثالية الهندسية للكرات، المستوحاة من نسب دافنشي، وواقع الحرب الممثل بالتمويه العسكري. من ناحية التصميم، يطرح العمل تساؤلاً حول فعاليته في حواره مع الفضاء المعماري للجناح 13؛ فالجدران الزجاجية للجناح، رغم رمزيتها التاريخية، قد تختزل قوة الخطاب السياسي الحاد للمنحوتة بتحويلها إلى مجرد عنصر مرئي من الخارج، مما قد يضعف التجربة الغامرة ويحيد حدة الرسالة المقصودة في سياقها المأساوي. ومع ذلك، تنجح العلاقة بين مقياس الكرات الضخم والمساحة الداخلية للجناح في خلق لحظة صادمة من الوضوح البصري للمارّة بالخارج، تربط بين فكرة الإنجاز المعماري التاريخي للمبنى والدمار الحالي بشكل فوري
مقدم لكم من فريق تحرير ArchUp
من هنا يبدأ الإلهام. تعمق في الهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي، والبحث، والمدن، والتصميم، والمشاريع الرائدة على ArchUp.