التراث المعماري البريطاني بين الحرب والابتكار
لا تزال العمارة البريطانية تحمل بصمات الحرب العالمية الثانية، ليس فقط في المباني المدمرة التي أعيد بناؤها، بل أيضًا في الرؤى الطموحة التي ولدت من رحم الصراع. أحد أبرز الأمثلة على هذا التأثير هو مسرحية “أبراج فولتي” (Fawlty Towers) الكوميدية عام 1975، حيث يظهر هوس بريطانيا بالحرب من خلال شخصية مدير الفندق الغريب الأطوار (جون كليز)، الذي يطلق العنان لنوبات غضب ضد الضيوف الألمان بإشارات إلى غزو بولندا.
هذه النكتة السوداء تعكس أكثر من مجرد ذكريات الحرب؛ إنها تكشف عن صراع الهوية البريطانية بين المظهر المصقول والاضطرابات الداخلية. ولكن كيف انعكس هذا التاريخ المضطرب على العمارة البريطانية الحديثة؟ هذا ما يستكشفه كتاب “بنيات التكنوبوليس: آركيغرام والتكنولوجيا البريطانية العالية” لأنيت فييرو.
الحركة المعمارية للتكنولوجيا العالية: بين الخيال والواقع
ما هي التكنولوجيا العالية في العمارة؟
ظهرت حركة “التكنولوجيا العالية” (High-Tech) في بريطانيا خلال النصف الثاني من القرن العشرين، متأثرة بالتقدم الصناعي والرغبة في إعادة تعريف المدن بعد الحرب. تتميز هذه المدرسة بـ:
- الهياكل المعدنية والزجاجية المكشوفة.
- المرونة الوظيفية (مباني قابلة للتعديل حسب الحاجة).
- الاستلهام من الآلات والصناعة.
دور مجموعة “آركيغرام” (Archigram)
كانت مجموعة آركيغرام (1961-1974) بمثابة المحرك الفكري لهذه الحركة. تخيل أعضاؤها، مثل بيتر كوك ورون هيرون، مدنًا مستقبلية:
- “المشي في المدينة” (Walking City): هياكل متحركة تشبه الروبوتات.
- “المكونات القابلة للفك” (Plug-in City): وحدات سكنية قابلة للاستبدال.
رغم أن معظم تصاميمهم لم تُنفذ، إلا أنها ألهمت معماريين كبارًا مثل نورمان فوستر وريتشارد روجرز.
لندن كمعمل للتجارب المعمارية
من الضفة الجنوبية إلى الألعاب الأولمبية
ترى فييرو أن مشاريع مثل:
- مركز بومبيدو (تصميم روجرز وبياتو، 1977).
- مبنى لويدز في لندن (روجرز، 1986).
- ملعب لندن الأولمبي (2012).
هي امتداد لفكر آركيغرام، خاصة في دمج البنية التحتية بالفضاء العام.
لكن الكتاب يغفل جانبًا مهمًا: كيف ساهمت هذه المشاريع في أزمة الإسكان؟ فبينما ركزت التكنولوجيا العالية على المباني العامة الفاخرة، أهملت احتياجات الطبقة العاملة.
التكنولوجيا العالية: بين الحلم الطوبوي والواقع الطبقي
إرث الحرب والصناعة
تجادل فييرو بأن التكنولوجيا العالية تعكس هوس بريطانيا بالتقدم التقني بعد الحرب، لكنها تتجاهل:
- التفاوت الطبقي: كيف استُخدمت العمارة كأداة للتمييز بين النخبة والعمال.
- دور الاقتصاد الاستهلاكي الأمريكي في تشكيل أفكار آركيغرام.
مثال: قصر المرح (Fun Palace) لكيدريك برايس
صمم كيدريك برايس هذا المشروع (1961) كمنشأة ثقافية قابلة للتعديل، لكنه أُلغي بسبب:
- خوف السلطات من منح الجمهور تحكمًا في الفضاء.
- اعتقاد برايس نفسه أن الجمالية الصناعية يجب أن تكون “لعبًا” وليس حلاً عمليًا.
الخلاصة: هل نجحت التكنولوجيا العالية في تجاوز إرث الحرب؟
رغم أن كتاب فييرو يقدم تحليلًا ثريًا لتأثير آركيغرام، إلا أنه يفوت فرصة مناقشة:
- كيف شكلت الحرب العالمية الثانية الذاكرة الجمعية للمعماريين البريطانيين؟
- لماذا تحولت التكنولوجيا العالية من رؤية اشتراكية (مثل مشاريع برايس) إلى رمز للرأسمالية (مثل ناطحات السحاب الزجاجية)؟
تابع كل جديد في عالم المحتوى “المعماري” من مشاريع واتجاهات وأفكار جريئة عبر منصة ArchUp.