استوديو الضوء والإبداع: تحليل معماري لاستوديو نتاشا سويتن في نيويورك

استوديو فني يكرّس الضوء والإبداع

في قلب جيرمانتاون بولاية نيويورك، أنشأت شركة Ballman Khapalova مبنىً فنيًا صُمم خصيصًا ليكون مساحة عمل للفنانة نتاشا سويتن، المعروفة بأعمالها في الرسم والنحت. جاء هذا المشروع ليعكس التقاء العمارة بالفن، حيث لا يقتصر التصميم على الجمال الخارجي، بل يمتد ليخدم العملية الإبداعية ذاتها.

تصميم بسيط بوظيفة عميقة

يمتد المبنى على مساحة 680 قدمًا مربعًا فقط، وهو ما يجعله مثالًا على الاستخدام الذكي للمساحة. ورغم حجمه الصغير، يضم الاستوديو كل ما تحتاجه الفنانة من مرسم واسع ومساحات تخزين ومكتب للعمل الإداري.

الضوء كعنصر أساسي في التصميم

اعتمد المصممون على توجيه النوافذ بعناية نحو الجهتين الشمالية والجنوبية، لضمان دخول الضوء الطبيعي طوال ساعات النهار دون إزعاج ظلال قوية.
بهذا التوجيه المدروس، أصبح الضوء جزءًا من التجربة الفنية اليومية داخل المرسم، مما يعزز من تركيز الفنانة ويحفز الإلهام.

جولة داخل الاستوديو الفني في شمال ولاية نيويورك

يقع هذا الاستوديو في شارع أنكوراج بشمال ولاية نيويورك، وقد شُيّد على أساسات جراج قديم يعود إلى خمسينيات القرن الماضي.
اعتمد تصميمه على مبدأ الاقتصاد في البناء والكفاءة في الاستخدام، ليجسّد فكرة إعادة توظيف الهياكل القديمة بطريقة معاصرة وفعّالة.

توازن بين التاريخ والحداثة

يتموضع المبنى على منحدر طبيعي بجوار منزل ريفي من القرن التاسع عشر تم ترميمه حديثًا، ما يمنحه حضورًا متجانسًا مع البيئة المعمارية المحيطة.
أما تخطيطه الداخلي، فجاء بشكل مربع بسيط يضم مساحة عمل واسعة متصلة بـ مكتب صغير ومستودع وحمام، ليخلق بذلك تناغمًا بين الوظيفة والبساطة دون أي تعقيد أو إفراط في التفاصيل.

تكامل التصميم مع البيئة الطبيعية

يُتوَّج المبنى بسقفٍ أحادي الميل جُهِّز بألواحٍ شمسية تُستفيد من توجّه السقف نحو الجنوب، ما يضمن كفاءة طاقية عالية ويقلل الاعتماد على مصادر الكهرباء التقليدية.
هذا الخيار يعكس توجهًا معماريًا معاصرًا نحو الاستدامة البيئية وتكامل المبنى مع محيطه المناخي.

إضاءة طبيعية توازن بين الفن والطبيعة

في الواجهة الشمالية، تسمح النوافذ العلوية بدخول ضوء طبيعي ناعم ومتوزّع مثالي للعمل الفني، دون تباين حاد أو ظلال مزعجة.
أما الجهة الجنوبية، فقد صُمّمت بواجهة زجاجية كاملة تطل على الحديقة والمناظر الطبيعية المحيطة، بينما يظهر نهر هدسون في الأفق كامتداد بصري يربط الفنان بعالمه الخارجي.

بهذا المزج المدروس بين الضوء والمنظر، يتحقق توازن دقيق بين الإشراق الداخلي والاتصال المستمر بالطبيعة، ليصبح الفضاء مصدر إلهام دائم يعزز من تجربة الإبداع داخل المرسم.

تدرّج مدروس في مستويات الأرضية

اعتمد المعماريون على تنسيق دقيق لمستويات الأرضية، بحيث يكون الاستوديو في مستوى المدخل الرئيسي لتسهيل الوصول والحركة اليومية.
وفي الوقت نفسه، رُفع المبنى قليلًا عن الأرض لخلق مساحة سفلية إضافية تُستخدم لتخزين الأدوات والحطب، ما يعكس تفكيرًا عمليًا في الاستفادة القصوى من كل جزء في الهيكل دون الإخلال بجماله العام.

مواد تجمع بين البساطة والمتانة

استُخدمت في البناء مواد أولية بسيطة ولكن عالية التحمل، أبرزها ألواح الخشب الرقائقي CDX المقاومة للرطوبة، والتي وُظّفت في الأرضيات والجدران الداخلية للاستوديو.
يُضيف هذا الاختيار طابعًا طبيعيًا ودافئًا للمساحة، وفي الوقت نفسه يضمن متانة عالية ووظائف عملية طويلة الأمد، مما يجعل المبنى مناسبًا لاحتياجات الفنان اليومية دون الحاجة إلى صيانة متكررة.

فضاء مفتوح يعزّز الإبداع

يتميّز الاستوديو بسقف مرتفع مزدوج الارتفاع يوفّر مساحة تخزين عملية للألواح والأدوات الفنية الخاصة بالرسم.
يسمح هذا الارتفاع أيضًا بدوران الهواء والضوء بحرية داخل المكان، مما يمنح الفنان إحساسًا بالاتساع والراحة أثناء العمل.
وتتيح الواجهة الزجاجية الجنوبية دخول الضوء الطبيعي ليس فقط إلى منطقة العمل، بل أيضًا إلى المكتب والحمّام، مما يجعل كل جزء من المبنى مضاءً ومفعمًا بالحيوية.

تناغم الألوان والمواد

يُقدَّم التصميم الداخلي بتوليفة تجمع بين دفء الخشب الرقائقي ونقاء الجدران البيضاء، ليخلق تباينًا بصريًا مريحًا ومتوازنًا.
أما الواجهة الخارجية، فقد طُليت بلون رمادي داكن يمنح المبنى مظهرًا حديثًا ومتماهيًا مع الطبيعة المحيطة، ليبدو كأنه جزء من المشهد الريفي الهادئ لا يفرض نفسه عليه، بل ينسجم معه بانسلاسة.

خلفية مهنية راسخة

يقع مكتب بيتر بولمان وداشا خابالوفا للهندسة المعمارية في مدينة إيثاكا بولاية نيويورك.
قبل تأسيس الاستوديو الخاص، اكتسب كلاهما خبرة واسعة من العمل مع مكاتب معمارية مرموقة:

• عمل بيتر بولمان لدى Barkow Leibinger وKohn Pedersen Fox وHimma Studio.
• بينما شاركت داشا خابالوفا في Barkow Leibinger أيضًا، إلى جانب TENBerke وSOM وOBRA Architects.

تعكس هذه التجارب تنوعًا واسعًا في مشاريع التصميم والهندسة، مما أسهم في تشكيل رؤيتهما المعمارية المستقلة لاحقًا.

التزام مجتمعي وإحياء المساحات الحضرية

إلى جانب عملهما المهني، أسس الثنائي منظمة Rotary Park Inc. غير الربحية، التي تهدف إلى تحويل الدوار المحيط بنفق هولاند في نيويورك إلى مساحة عامة جديدة.
تسعى هذه المبادرة إلى إحياء المشهد الحضري وتعزيز التواصل بين المجتمع والمكان، ما يبرز الجانب الاجتماعي والبيئي في عمل المعماريين، إلى جانب البعد الفني والمعماري.

✦ تحليل ArchUp التحريري

يترك استوديو نتاشا سويتن انطباعًا أوليًا بالهدوء والصفاء، إذ ينجح التصميم في تحقيق توازن بصري بين الضوء والمساحة، ويمنح الفنانة بيئة عمل مريحة وملهمة. غير أن هذا الهدوء نفسه قد يُترجم أحيانًا إلى قدرٍ من الجمود البصري، خاصة مع هيمنة المواد الخام والألوان المحايدة التي تقلل من التنوع الحسي في الداخل. كما أن الاعتماد الكبير على الضوء الطبيعي يجعل الاستخدام الليلي أو في الأيام الغائمة محدود الكفاءة ما لم تُستكمل الإضاءة الصناعية بحلول مدروسة. ورغم أن البساطة المقصودة تضفي طابعًا تأمليًا على المكان، إلا أنها تقترب أحيانًا من الحد الأدنى الذي قد لا يناسب طبيعة العمل الفني المتنوع. ومع ذلك، يبقى المشروع تجربة معمارية صادقة في سعيها لتقديم فضاء يعكس العلاقة الحميمة بين الفن والعمارة ضمن أبعاد متقشفة ومدروسة بعناية.