الاستهلال: إعادة تعريف الحياة الرأسية في قلب شنتشن
في أفق مدينة شنتشن الديناميكي، حيث تتجسد مفاهيم التطور الحضري السريع، تبرز أبراج جراند باي فيو كيانهاي السكنية (Grand Bayview Qianhai Residential Towers) من قبل شركة فوستر + بارتنرز ليس كمجرد مسكن، بل كنموذج طموح لإعادة تعريف العمارة السكنية للمهنيين المعاصرين. يمثل هذا المشروع، الذي تبلغ مساحته 96,000 متر مربع، إجابة معمارية على السؤال الملح حول كيفية تحقيق التوازن بين متطلبات الخصوصية الفردية والرفاهية الشخصية من ناحية، وإحياء روح المشاركة والمجتمع داخل الكتل السكنية عالية الكثافة من ناحية أخرى.
الفكرة التصميمية الأساسية: المروحة التي تنسج العلاقات
يشكل البرجان البالغ ارتفاعهما 180 متراً، والمرتبطان بقاعدة مشتركة، تكويناً معمارياً فريداً يشبه المروحة. هذا الاختيار التصميمي ليس مجرد سعي وراء الشكل الجمالي المميز، بل هو حل مدروس للتحديات البيئية والمجتمعية:
· تحسين الضوء الطبيعي والتهوية: يسمح الشكل المروحي بدخول ضوء النهار إلى الوحدات السكنية من زوايا متعددة، مما يقلل الاعتماد على الإضاءة الاصطناعية ويعزس كفاءة الطاقة.
· تعزيز الإطلالات البانورامية: يتمتع السكان بإطلالات واسعة وغير مقيدة على المدينة، مما يكسر شعور العزلة الذي قد تخلقه الأبراج التقليدية.
· خلق صورة ظلية مميزة: يصمم المشروع بصمة بصرية فريدة في أفق شنتشن، مما يجعله معلماً معمارياً وليس مجرد مبنى.
التكامل مع النسيج الحضري: مدن داخل المدينة
لا ينعزل المشروع عن محيطه، بل يعمل على توسيع نطاق الحياة العامة ودمجها مع الحياة الخاصة بشكل غير مسبوق:
· المنصة المرتفعة والمتصلبة: يربط السقف المرتفع في الطابق الثاني المشروع مباشرة بنظام الممشى المرتفع (Skywalk) في شنتشن. هذا التوصيل لا يوفر انتقالاً سلساً وآمناً للمشاة فحسب، بل يذيب الحدود بين المساحة الخاصة للمشروع والفضاء العام للمدينة.
· الحديقة شبه العامة: على مستوى الأرض، تمتد حديقة ذات مناظر طبيعية لتلتقي مع الأحزمة الخضراء المجاورة، مما يعزز فكرة امتداد الطبيعة إلى قلب النسيج العمراني المكتظ، ويوفر مساحة تنفس حيوية للسكان والمارة على حد سواء.

تسلسل هرمي للمساحات: من الخاص إلى المشترك
يتجلى فهم المصممين لطبيعة السلوك البشري في “التسلسل الهرمي المكاني” الذي ينتقل بالسكان بسلاسة من عالمهم الخاص إلى فضاءات التفاعل المجتمعي:
· الوحدات الخاصة الهادئة: تم تصميم الوحدات السكنية لتحقيق أقصى درجات الخصوصية والهدوء، كملاذ شخصي من صخب المدينة.
· التراسات المشتركة: كل مستوى من طبقات الأبراج يحتوي على تراسات مشتركة محاطة بـ “زراعة ناعمة”. هذه المساحات تعمل كـ “عتبات” بين الخاص والعام، تشجع على اللقاءات العفوية بين الجيران دون التعدي على الخصوصية.
· الحدائق السماوية ثلاثية الارتفاع: في الأدوار العليا، تصل فكرة المساحات المشتركة إلى ذروتها في “الحدائق السماوية”. هذه المساحات الفسيحة، المخصصة لأنشطة مثل اليوغا والفعاليات المجتمعية، توفر إطلالات بانورامية مذهلة وتجسد ذروة التجربة المجتمعية الرأسية.

الاستدامة والكفاءة الإنشائية: بناء مسؤول تجاه المستقبل
يضع المشروع الاستدامة البيئية في صميم عملية البناء، وليس كإضافة لاحقة، من خلال عدة استراتيجيات متقدمة:
· الهيكل الفولاذي خفيف الوزن: تم الاعتماد على نظام إنشائي من الفولاذ خفيف الوزن للهيكل العلوي، مما ساهم بشكل كبير في تقليل الكربون المتجسد مقارنة بالأنظمة الخرسانية التقليدية.
· التصنيع المسبق والمعياري: تم تصنيع العديد من مكونات المبنى، مثل ألواح الواجهات، محلياً وبطريقة مسبقة التصنيع. هذا الأسلوب يضمن:
· دقة تنفيذ عالية وتقليل الأخطاء.
· تقليل هدر مواد البناء بشكل كبير.
· تقصير الجدول الزمني للبناء بشكل ملحوظ.
· تقليل استخدام الخرسانة: ساهم هذا النهج في تحقيق انخفاض قياسي في البصمة الكربونية للمشروع، مما يجعله متوافقاً مع الأهداف البيئية الطموحة لمدينة شنتشن.

المرونة والتكيف: هندسة تستشرف المستقبل
يفكر تصميم المشروع ليس فقط في احتياجات السكان الحاليين، بل أيضاً في المتطلبات المتطورة لسكان المدن في المستقبل. تم تصميم الوحدات السكنية لتكون وحدات معيارية، يمكن دمجها أو تكييفها بمرونة لاستيعاب التغيرات في أنماط الحياة، والأسر، والاحتياجات العملية. تضمن هذه المرونة “عمراً تصميمياً” أطول للمبنى، وتقلل من الحاجة للتعديلات الهيكلية المكلفة في المستقبل.
✦ رؤية تحريرية من ArchUp
يتصدى المشروع السكني عالي الكثافة في شنتشن لإشكالية التوفيق بين الكثافة الحضرية والرفاهية الفردية عبر تبني استراتيجية تصميمية تعتمد على التشكيل المروحي ودمج مساحات خضراء عامة على ارتفاعات متعددة. يثير التصميم تساؤلات حول مدى فعالية “الطبيعة المعلقة” في تعويض الفقدان الحقيقي للمساحات الخضراء الأرضية على مستوى المدينة، وما إذا كانت الحدائق المشتركة في الأدوار العليا قادرة على بناء نسيج مجتمعي عضوي أم أنها تبقى حلاً شكلياً يفتقر للعفوية. كما أن الاعتماد المعلن على التهوية الطبيعية والإنارة المحسنة قد يتعارض عملياً مع تحديات التلوث السمعي والهوائي الناتج عن الكثافة والارتفاع الشاهق نفسه، مما قد يحد من فعاليتهما. من الناحية الهيكلية، يقدم الاعتماد على نظام الفولاذ خفيف الوزن والتصنيع المسبق للأجزاء حلاً عملياً ملموساً لتحقيق كفاءة في زمن البناء وتقليل ملحوظ في النفايات والانبعاثات الكربونية المتجسدة.
مقدم لكم من فريق تحرير ArchUp
من هنا يبدأ الإلهام. تعمق في الهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي، والبحث، والمدن، والتصميم، والمشاريع الرائدة على ArchUp.