الضبابية السياسية وتأثيرها على البناء المستدام في الولايات المتحدة

تواجه مشاريع البناء منخفضة الكربون والإسكان الميسور في الولايات المتحدة تحديات متزايدة بسبب الضبابية المتعلقة بسياسات الرسوم الجمركية، خاصة تلك التي فرضتها إدارة الرئيس الأميريكي دونالد ترامب. فقد شهدت الأسواق حالة من الفوضى عندما تم الإعلان عن رسوم استيراد مرتفعة على مجموعة واسعة من البضائع. تم تعليق تنفيذها مؤقتًا لمدة 90 يومًا، ما أضاف مزيدًا من الغموض حول التوجهات المستقبلية.

رسوم الاستيراد: عامل مفاجئ يُربك قطاع البناء

أدى الإعلان المفاجئ عن التعريفة الجمركية ثم تعليقها لاحقًا إلى خلق بيئة غير مستقرة في قطاع البناء. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه السياسات مؤقتة أم ستُعتمد على المدى الطويل. هذا التردد يثير قلق العديد من المؤسسات. من بينها المعهد الأمريكي للمهندسين المعماريين (AIA)، الذي يخشى من تأثير هذه السياسات على مسار التنمية العمرانية المستدامة.

تأثير مباشر على تكلفة البناء

يرى كيرميت بيكر، وهو اقتصادي في AIA، أن هذه التهديدات تؤدي بالفعل إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الأساسية المستخدمة في البناء. ويؤكد أن ذلك “غالبًا ما يكون نتيجة لمجرد التهديد بفرض تعريفات مستقبلية. دون الحاجة حتى لتنفيذها فعليًا”.

العزوف عن الاستثمار في البناء المستدام

من زاوية أكاديمية، تشير البروفيسورة بينج وانغ من كلية الدراسات العليا للتصميم بجامعة هارفارد إلى أن هذا الاضطراب في السوق قد يدفع المطورين إلى تجنب الاستثمار في مشاريع البناء المستدام. وتوضح أن “البناء الأخضر” عادةً ما يتطلب تكاليف مبدئية مرتفعة. ومع تزايد تكاليف البناء عمومًا، يصبح المستثمرون أكثر حذرًا تجاه تحمل أعباء مالية إضافية.

الخوف من أن يؤدي الضغط إلى قرارات قصيرة الأمد

وقد أكدت المهندسة المعمارية كلير ويسز، الشريك المؤسس لأحد استوديوهات العمارة في نيويورك، أن هذه البيئة المليئة بالشكوك تؤثر على عملية اتخاذ القرار، قائلة:

“عدم اليقين يمكن أن يجعلنا قصيرة النظر، خاصة عندما يكون هناك ضغط على سلسلة التوريد”.

الاعتماد على الاستيراد يعقّد مشهد البناء المستدام

تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على استيراد العديد من المنتجات الأساسية في مجال البناء المستدام. تأتي نسبة كبيرة منها من دول مثل ألمانيا. وقد أدى فرض الرسوم الجمركية إلى زعزعة هذا الاعتماد. خاصة بعد إعلان الرئيس ترامب عن تعريفة بنسبة 20٪ على واردات الاتحاد الأوروبي.

ألمانيا تخشى انخفاضًا كبيرًا في صادراتها

حذّر وزير المالية الألماني، يورغ كوكيز، من أن صادرات بلاده إلى الولايات المتحدة قد تنخفض بنسبة تصل إلى 15٪ نتيجة لهذه السياسات. ورغم أن الرسوم خُفّضت مؤقتًا إلى 10٪ خلال فترة توقف مدتها 90 يومًا، إلا أن حالة عدم اليقين لا تزال قائمة.

الطاقة الشمسية ضمن أبرز القطاعات المتضررة

أصبحت تكنولوجيا الطاقة الشمسية في مرمى تأثيرات التعريفات الجمركية. معظم الألواح الشمسية المستوردة في الولايات المتحدة تأتي من دول آسيوية مثل ماليزيا وفيتنام وتايلاند. وقد تأثرت هذه الواردات بشكل كبير منذ يوليو، مع فرض رسوم مرتفعة على هذه المنتجات الحيوية في التحول نحو الطاقة النظيفة.

البناء الجماعي وخطر التباطؤ

البناء باستخدام الخشب الجماعي (mass timber)، وهو بديل منخفض الكربون للخرسانة، يُعد مجالًا ناشئًا. لكنه مهدد بفعل السياسة التجارية الحالية. ورغم أنه يمثل أقل من 1٪ من قطاع البناء في أمريكا، إلا أن نموه السريع مهدد بسبب الاعتماد الكبير على الخشب المستورد من كندا.

ورغم أن إدارة ترامب منحت إعفاءات مؤقتة على الخشب الكندي عند فرض الرسوم على دول أمريكا الشمالية، فإن التصريحات الأخيرة تشير إلى احتمال إعادة رفع هذه الرسوم في سبتمبر.

الرسوم على المعادن تهدد الإسكان الميسور

من جهة أخرى، فإن فرض رسوم بنسبة 25٪ على واردات الألومنيوم والصلب من كندا والمكسيك بدأ يؤثر بالفعل على سوق الإسكان منخفض التكلفة. مع تزايد تكاليف المواد الأساسية، قد تتباطأ عمليات بناء المساكن التي تستهدف الشرائح محدودة الدخل.

تحذيرات من تفاقم أزمة السكن

تُحذر البروفيسورة وانغ من أن “مشكلة إمدادات الإسكان ستتفاقم”. وهو ما تؤكده منظمات غير ربحية تعمل في مجال الإسكان في ولايات مثل أوكلاهوما وناشفيل. هذه المنظمات بدأت تشعر بآثار تقليص قدرتها على توفير وحدات سكنية جديدة.

🔗 اقرأ أيضًا:

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *