الدرج… الحكاية التي اختفت خلف المصعد
أثناء قراءتي لأحد كتب العمارة الإيطالية القديمة، توقفت عند صورة لدرج حجري بسيط، لكنه مشغول بتفاصيل دقيقة. لم يكن واسعًا، ولا مرتفعًا بشكل لافت، لكنه جذبني بشيء لا أستطيع وصفه بالكلمات… ربما هو الإحساس بأن هناك شيء بشري، يومي، وشبه مقدّس في فكرة الصعود والنزول. مما أدهشني حقًا هو الدرجة التي يلعب فيها الدرج المعماري دورًا في خلق هذا الإحساس. هذا المشهد أعادني سنوات إلى الوراء، حين كنت أصعد الأدراج في مبانٍ أثرية لا يزال صداها يتردد في خطواتي. كان للدرج المعماري حضوره الخاص.
لكن هذا الإحساس بدأ يتلاشى في العمارة الحديثة. فهل تراجع الدرج المعماري من كونه تجربة إلى مجرد وسيلة انتقال؟

حين كان الدرج بطل المشهد المعماري
في أعمال معمارية عديدة، لعب الدرج دورًا رئيسيًا. لم يكن فقط ممرًا للانتقال، بل مساحة للتأمل، للحركة البطيئة، وللتفاعل مع المواد والضوء، مما يعزز دوره كدرج معماري.
المهندسة زاها حديد، مثلًا، لم تكن ترى الدرج كجزء مستقل، بل كامتداد لحركة الجسد داخل الفراغ. بينما استخدمه كارلو سكاربا كأداة فلسفية، يجعل منه تجربة بصرية وزمنية في آن واحد.
الدرج في هذه المشاريع لم يكن يهمس… بل كان يتحدث بصوتٍ عالٍ، يخبرنا أننا في انتقال، في عبور، في تغيير.
الطابع الحسي… ما الذي فقدناه؟
في ظل صعود المصاعد، باتت الأدراج تُصمّم على استحياء. الكثير منها اليوم مجرد هياكل معدنية أو خرسانية بلا روح، مما يؤثر على مفهوم الدرج المعماري. لا ظلال، لا حواف، لا خامات تُلامس الجلد. لم يعد هناك بطء، ولا فرصة للتأمل، فقط صعود ميكانيكي بلا ذاكرة.
لكن حين تعيد النظر في الأدراج القديمة، ستلاحظ كيف كانت تصنع الإيقاع الداخلي للمبنى. من تغير ارتفاع الخطوات، إلى نوعية الحجر، إلى الإضاءة الطبيعية التي تتسلل من كوةٍ جانبية.
مقارنة بين الأدراج في العمارة التقليدية والمعاصرة
| النقطة | العمارة التقليدية | العمارة المعاصرة |
|---|---|---|
| موقع الدرج | في قلب الفضاء، عنصر مركزي | على الحواف أو مخفي |
| المواد | حجر، طين، بلاط، مواد طبيعية | خرسانة، معدن، أحيانًا بلاستيكية |
| التصميم الحسي | تنوع في درجات الإضاءة والظل | إضاءة صناعية مكررة |
| البعد الرمزي | يحمل رمزية الانتقال والعزلة والخصوصية | محايد، وظيفي فقط |
| الإحساس بالحركة | كل خطوة تحكي قصة | مملة، متشابهة |
أمثلة لأدراج تُروى لا تُنسى
| المشروع | المصمم | ما يُميز الدرج |
|---|---|---|
| متحف ماكسي – روما | زها حديد | تدفق عضوي يُشعرك وكأنك تطفو في الفضاء |
| مقبرة بريون – إيطاليا | كارلو سكاربا | تشظّي المواد والخطوط يخلق لحظة تأمل |
| مؤسسة لويس فويتون – باريس | فرانك جيري | درجات منحنية تتماشى مع تدفق الزجاج والضوء |
| متحف نيويس – برلين | ديفيد تشيبرفيلد | درج حجري يجمع بين الترميم والتجديد |
لماذا يجب أن نُعيد النظر في تصميم الدرج؟
- لأنه يربط بين المستويات الإنسانية لا فقط الطوابق.
- لأنه يُجبرنا على التمهّل، في زمن السرعة.
- لأنه يمكن أن يكون ذاكرة معمارية داخلية. وضعنا هذا الرمز في الدرج المعماري.
- لأنه يُتيح فرصة للتفاعل مع المواد، الإضاءة، والمقاييس البشرية.
العودة إلى الدرج… كعودة إلى الجوهر
الدرج ليس قطعة مهملة يمكن استبدالها بزر في المصعد. هو أكثر من ذلك: إيقاع معماري، تجربة مادية، قصة تتحرك. إعادة الاعتبار للدرج المعماري في التصميمات المستقبلية ليست مجرد رفاهية، بل عودة إلى الجذور الإنسانية للعمارة.
في زمن تُختزل فيه الحركة إلى ضغط زر، ربما يكون الصعود على الدرج هو آخر أشكال التأمل الحركي في مبانينا.
✦ رؤية تحليلية من ArchUp
يستعرض هذا المقال حضور الدرج كعنصر حسي مهمل في العمارة الحديثة، من خلال تحليل تطوره البصري والوظيفي في مشاريع معمارية مثل أعمال زاها حديد وكارلو سكاربا. الصور المصاحبة تعكس تكوينات مادية متفاوتة—من الانحناءات العضوية إلى التفاصيل الحجرية الصامتة—مما يبرز تباين استخدام الدرج بين التجربة الجمالية والخطاب الوظيفي. ومع ذلك، يفتقر الطرح إلى تعميق صلة التصميم بسياقات اجتماعية أو بيئية معاصرة. هل يمكن إعادة الاعتبار للدرج كوسيط مكاني يحمل ذاكرة الحركة والبناء؟ رغم هذا الغياب، يظل المقال قيمة تحليلية تسلط الضوء على عنصر غالبًا ما يتم تهميشه في مفاهيم العمارة المستقبلية.
اكتشف أحدث المعارض والمؤتمرات المعمارية
نقدم في ArchUp تغطية يومية لأبرز المعارض المعمارية والمؤتمرات الدولية والمنتديات الفنية والتصميمية حول العالم.
تابع أهم المسابقات المعمارية، وراجع نتائجها الرسمية، وابقَ على اطلاع عبر الأخبار المعمارية الأكثر مصداقية وتحديثًا.
يُعد ArchUp منصة موسوعية تجمع بين الفعاليات وفرص التفاعل المعماري العالمي في مكان واحد.