إيطاليا ترسم خريطة أولمبية جديدة: قرى ميلانو كورتينا 2026

في قلب جبال الألب الإيطالية وضجيج ميلانو الحضرية، تتبلور رؤية جديدة لاستضافة الألعاب الأولمبية الشتوية 2026. فبدلاً من التركيز في موقع واحد، اختارت دورة ميلانو كورتينا 2026 نهجاً لا مركزياً يمتد عبر أكثر من 22 ألف كيلومتر مربع، مشكلاً إطاراً موحداً يربط المدن التاريخية بالمناظر الطبيعية الجبلية الشاهقة.

هذا التوزيع الجغرافي الواسع ليس مجرد تحدٍ لوجستي، بل هو شهادة على التزام إيطاليا بـالاستدامة البيئية واستراتيجية إعادة التوظيف المعماري (Adaptive Reuse). فالألعاب، التي ستقام في الفترة من 6 إلى 22 فبراير 2026، تعتمد على أكثر من 90% من المنشآت القائمة أو المؤقتة، مما يقلل بشكل جذري من الحاجة إلى بناء هياكل جديدة دائمة.

ست محطات للرياضيين في رحلة عبر المنطقة

يعكس نموذج الاستضافة الموزع عبر الأقاليم الإيطالية استراتيجية سكن الرياضيين أيضاً. فبدلاً من قرية أولمبية واحدة عملاقة، اعتمدت اللجنة المنظمة ست قرى أولمبية وبارالمبية تقع استراتيجياً بالقرب من مراكز المنافسات الرئيسية: ميلانو، بريدازو، بورميو، ليفينيو، أنترسيلفا، وكورتينا دامبيزو.

تتخذ كل قرية طابعاً خاصاً يعكس البيئة المحيطة بها:

قرية ميلانو 

في قلب المدينة، تبرز هذه القرية كمثال رائد للإرث، حيث لا تقتصر وظيفتها على استضافة الرياضيين، بل ستتحول مباشرة بعد الألعاب إلى سكن طلابي دائم، ضامنة استمرار القيمة الاجتماعية والاقتصادية للمشروع.

قرية أنترسيلفا

تقع في وادي راسون-أنترسيلفا، وتعتمد على أربعة فنادق قائمة تم تكييفها لاستيعاب حوالي 300 رياضي، مع التركيز على رياضيي البياثلون بفضل قربها من ساحة المنافسة. إنها تجسيد عملي لمبدأ “الأثر البيئي الأدنى”.

قرية بورميو

 تندمج في البيئة الألبية التاريخية، وتوزع أماكن إقامة حوالي 400 رياضي على أربعة فنادق موجودة، مما يوفر وصولاً مباشراً لمركز ستيلفيو للتزلج، الذي سيستضيف التزلج الألبي والظهور الأول لرياضة التزلج الجبلي.

قرية بريدازو

تقع في قلب فال دي فيمّي، وتجمع بين المرافق القائمة والمنشآت الجديدة المختارة بعناية داخل المدرسة الألبية التابعة للشرطة المالية الإيطالية. وستستوعب حوالي 750 رياضياً، مع خطة واضحة لاستمرار استخدام مبانيها لخدمة المجتمع والاحتياجات الإقليمية بعد انتهاء الحدث.

إن نموذج ميلانو كورتينا 2026 ليس مجرد استضافة لدورة ألعاب، بل هو محاولة لإعادة تعريف كيفية استضافة الأحداث الرياضية الكبرى من خلال التعاون الإقليمي، وتوظيف التضاريس المتنوعة، ووضع الاستدامة كحجر زاوية في الرؤية التنموية.

بيانات المشروع

المهندس المعماري/المكتب المصمم: القرية الأولمبية والبارالمبية في ميلانو: Skidm

ore, Owings & Merrill (SOM) القرى الأخرى: أعمال تجديد وتكييف من قبل السلطات العامة الإقليمية والفرق الهندسية والتصميم المحلية.

المصورون الفوتوغرافيون: Andrea Vicentini AerialVision_it NorthSky Films qwesy qwesy Delbo Andrea Kelly

يمثل مشروع ميلانو كورتينا 2026 نقلة نوعية من الناحية المعمارية والتنظيمية. إنه يطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل العمارة الأولمبية، مقترحاً نموذجاً قابلاً للتطبيق في المناطق التي تمتلك بنية تحتية قائمة ومتنوعة. ومع ذلك، يكمن التحدي النقدي الأكبر في ضمان نجاح مرحلة ما بعد الألعاب. ففي حين أن تحويل قرية ميلانو إلى سكن طلابي واعد، فإن نجاح النموذج اللامركزي يعتمد بشكل كلي على جودة الإرث في المواقع الألبية البعيدة، وضمان ألا تصبح هذه التجمعات مجرد وجهات مؤقتة تفقد قيمتها بعد اختتام المنافسات، الأمر الذي يتطلب جهداً مستمراً في مجال التكامل المجتمعي وشبكات التصميم الداخلي لضمان استدامة جاذبيتها.