لقاء بين الذكاء البيئي والذكاء الاصطناعي في جناح حيّ
يقدّم جناح الفطريات من تصميم Studio Weave في معرض تشيلسي للزهور 2025 رؤية غير تقليدية لدمج البنية الرقمية مع المواد الطبيعية. بالتعاون مع مصمم المناظر الطبيعية توم ماسي وصانع الأثاث المستدام سيباستيان كوكس، يستكشف المشروع كيف يمكن للعمارة أن تساهم فعليًا في التوعية البيئية وصحة الغابات الحضرية.
وقد كلّفت شركة Avanade للاستشارات الرقمية بتنفيذ المشروع، والذي يحتضن تقنيات لمراقبة صحة الأشجار في المدن. لكن أبعد من هذه الوظيفة التقنية، يطرح المشروع اقتراحًا معماريًا: مبنى معياري قابل للتحلل، مصنوع من مواد عضوية، يعيش في حوار فعّال مع بيئته — المادية، الرقمية، والاجتماعية.
إعادة تخيّل سقيفة الحديقة اليومية
يتعمد التصميم البساطة في شكله. استلهم Studio Weave، بقيادة المعماري جيه آن، فكرته من “سقيفة الحديقة” البريطانية المألوفة — مكان هادئ للتخزين أو التأمل أو الزراعة. لكن هذه المرة، تم إعادة تخيّل تلك السقيفة لتصبح مأوى عالي الأداء حيث تُجمع البيانات البيئية وتُحلل وتُعرض.
وبدلاً من عزل التقنية عن الطبيعة، يدمج جناح الفطريات معرض تشيلسي للزهور البنية التحتية للذكاء الاصطناعي داخل فضاء يبدو يدويّ الصنع وحيًّا.
الابتكار المادي كرسالة معمارية
المادتان الأساسيتان — خشب الدردار المحلي المقطوع والفطريات (الفطريات الجذرية) — لا تمثلان فقط خيارًا مستدامًا، بل تحملان دلالة رمزية. الخشب أُخذ من أشجار أصيبت بمرض الذبول، والتي عادة ما تُحرق. هنا، أعيد توظيفه هيكليًا وجماليًا في الألواح المنسوجة وعناصر الدعم.
أما الفطريات، فتمت زراعتها في ورشة كوكس في كنت، وشكّلت الواجهة الخارجية المخددة. يُعرض سطحها غير المنتظم دون معالجة صناعية، مما يخلق ملمسًا عضويًا بصريًا. وجود الفطريات هنا يرمز إلى الشبكات العصبية — سواء في الغابة أو في الخوارزميات — حيث تعمل كوسيط للتواصل والتفاعل.
تُعرف شبكات الفطريات بـ”الإنترنت الخشبي”، وهي بنية تحتية بيئية تحت التربة. في هذا المشروع، تعكس هذه الشبكة الطبيعية شبكات البيانات التي تعتمد عليها Avanade لمراقبة صحة الأشجار. الأمر ليس محض استعارة شعرية، بل تصميم معماري ذو معنى وظيفي ورمزي.
حِرفة إنشائية: دعم السقف بأشرطة الدردار
من الابتكارات اللافتة استخدام أشرطة من خشب الدردار كعناصر دعم مائلة (noggins) في السقف. تقليديًا، تكون هذه العناصر كتلية وتعمل في وضع الانضغاط، لكن هنا تم تصميمها لتعمل في الشد، مستغلة الخصائص الليفية للخشب لخلق صلابة التوائية.
يشير جيه آن إلى أن هذه الطريقة قد تكون الأولى من نوعها في الصناعة — إعادة ابتكار خفية ولكن ذات دلالة لمكوّن معماري بسيط. يدعو المشروع لإعادة التفكير في كل عنصر، حتى أكثرها تواضعًا، بوصفه موقعًا للابتكار المادي.
مرونة التصنيع المسبق
تم تصنيع الجناح مسبقًا على شكل أربع وحدات (3.2 م × 3 م × 3 م)، مما سمح بتركيبه بسرعة خلال أسبوع واحد فقط. وعلى الرغم من خفة وزنه الظاهرة، يتمتع التصميم بالمتانة — النوافذ قابلة للفتح للتهوية، والضوء الطبيعي يتدفق بحرية، والتقسيم الداخلي يلائم الورش العامة والخاصة.
يتضمن أحد الطرفين مطبخًا صغيرًا وطاولة لورش العمل المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. أما الطرف الآخر، فيضم “صالون الفطريات” — مساحة مظلمة ورطبة تُشجّع على نمو الفطريات، مما يحوّل الجناح إلى بيئة حية تُجسّد مضمونه المادي.
دمج الحديقة وإعادة تدوير المواد
الحديقة المحيطة، من تصميم توم ماسي، تم تنفيذها بالكامل باستخدام مواد معاد تدويرها أو طبيعية. البلاط الحجري أُعيد استخدامه من حدائق عرض سابقة، والنباتات المستخدمة أصلية ومتوافقة مع التربة المحلية.
لكن الحديقة ليست مجرد خلفية، بل تعمل بشكل تكاملي مع الجناح. تُفتح الشاشات لطمس الحدود بين الداخل والخارج، وتُصبح البيانات المجمعة من الأشجار المجاورة جزءًا من التجربة المعمارية. إنه نموذج بيئي تفاعلي، لا مجرد معرض.
تقدير واستمرارية
حاز جناح الفطريات معرض تشيلسي للزهور على ميدالية ذهبية وجائزة أفضل بناء في المعرض — تقدير للابتكار في التصميم والمواد والمنهجية.
وسينتقل الجناح بعد انتهاء المعرض إلى منتزه مايفيلد في مانشستر، حيث سيواصل أداء دوره في توعية المجتمع بصحة الأشجار الحضرية واستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال.
خاتمة نقدية: العمارة بوصفها شبكة حية
هذا الجناح ليس عملاً عرضيًا، بل اقتراح جاد حول كيفية استجابة العمارة لتحديات بيئية رقمية. باستخدام الفطريات كرمز وكمادة، يعيد المشروع تعريف العلاقة بين الذكاء الطبيعي والاصطناعي.
كما يتحدى الأعراف: لماذا لا تكون بنية الذكاء الاصطناعي جميلة؟ ولماذا لا تكون المواد القابلة للتحلل أدوات لاحتضان التكنولوجيا المتقدمة؟ في عصر التغير المناخي وتعقيد البيانات، يقدّم هذا المشروع تكاملًا نقديًا — حيث تتعاون البنية، البيانات، والبيئة ضمن نظام واحد حي.
النجاح الحقيقي لهذا الجناح لا يكمن فقط في تصميمه، بل في طموحه — أن يجعل الذكاء البيولوجي والاصطناعي مرئيًا، ملموسًا، ومعماريًا.
الصور: دانيال هيريندي.
لكل من يبحث عن مصدر معماري موثوق ومواكب، ArchUp يقدم محتوى متجدد يغطي المشاريع والتصميم والمسابقات.
للمزيد على ArchUp: