عارض ديناصور Enigmacursor: لحظة تجمدت في الزمن.. وعمارة أبرزتها بإتقان
مقدمة: أكثر من مجرد عارض أحفوري
في قلب متحف التاريخ الطبيعي في لندن، وبالتحديد في قاعة الأرض (Earth Hall)، يقبع شاهد جديد على عظمة التاريخ الطبيعي، ليس أحفورة فحسب، بل تحفة معمارية صممت لتحكي قصة هذا الاكتشاف. مشروع استوديو Ogden Architects لعرض ديناصور Enigmacursor Mollyborthwickae هو عمل يتجاوز الوظيفة التقليدية لعرض الحفريات، ليصبح دراسة متقنة في كيفية استخدام العمارة كوسيط لتعزيز الحوار بين العلم والجمهور، بين الماضي السحيق والحاضر المعاصر.
ديناصور العصر الجوراسي في موطن معاصر:
تم اكتشاف حفريات Enigmacursor Mollyborthwickae والتي يعود عمرها إلى ما بين 145 إلى 150 مليون سنة، لتكون أول ديناصور يتم تسميته رسمياً من قبل المتحف في أكثر من عشر سنوات. هذا السياق العلمي الفريد demanded حلاً تصميمياً يكون في نفس مستوى الأهمية التاريخية للعينة. لم يكن الهدف مجرد وضع الحفرية في صندوق زجاجي، بل تصميم “مكان” لها، يعزز من حضورها ويحترم قيمتها كشاهد علمي ونافذة إلى عالم العصر الجوراسي.
الفلسفة التصميمية: العمارة كوسيط سردي
تعامل Ogden Architects مع هذا المشروع كفرصة لإعادة تعريف دور العمارة في سياق المتاحف العلمية. لقد رأى المصممون أن العارض ليس مجرد عنصر عرض، بل هو تدخل معماري مكاني (Spatial Intervention). تهدف هذه الفلسفة إلى إعادة تشكيل إدراك الزائر للفضاء المحيط والحفرية نفسها، من خلال التحكم الدقيق في عناصر الضوء، والمواد، والنسب، والنظرات البصرية. إنه تحول من “المشاهدة” إلى “التجربة”، حيث يصبح التصميم المعماري جزءاً لا يتجزأ من القصة التي يُحكَى عنها.

تحليل المواد: حوار بين الجيولوجيا والصنعة
القاعدة الحجرية: جذور في عمق الأرض
تم تصميم قاعدة العارض من الحجر الداكن ذي العروق البيضاء، وهو اختيار لم يأتِ اعتباطياً. هذه العروق هي إيماءة بصرية مباشرة إلى الطبقات الجيولوجية (Geological Strata) التي حفظت الحفرية لملايين السنين. من الناحية البنائية، تم تنفيذ القاعدة بزوايا مقطوعة بدقة عالية (Mitred Corners)، وهي تقنية تضمن متانة هيكلية استثنائية وتقدم إحساساً بالصلابة والديمومة. أما الشريط السفلي (Skirting) المُنحوت بطريقة الخط (Line-Chiselled) والمُغرق في الحائط، فيضفي لمسة من الخفة البصرية على الكتلة الصلبة، مانعاً إياها من الظهور بمظهر ثقيل على الأرضية التاريخية للقاعة.
الحاوية الزجاجية: الشفافية التي تخلق الحضور
فوق القاعدة الحجرية، ترتفع حاوية زجاجية عديمة الإطار (Frameless Glass Enclosure). هذا الاختيار الجريء يحقق غايتين رئيسيتين: الأولى هي توفير رؤية بصرية كاملة ومشوشة للحفرية من جميع الزوايا بزاوية 360 درجة، مما يشجع الزائر على الدوران حولها واكتشافها من كل منظور. الثانية، هي خلق إحساس بأن الحفرية “طافية” أو “معروضة في الفراغ”، مما يزيد من تأثيرها الدرامي ويجردها من أي سياق مادي قد يحد من إدراكها ككائن حي سابقاً.

دور الإضاءة: إحياء الحركة المجمدة
ربما يكون عنصر الإضاءة هو الأكثر تأثيراً في التجربة الكلية. نظام الإضاءة الخطية المخفية (Concealed Linear Lighting) داخل العارض لا يهدف فقط إلى جعل الحفرية مرئية. بل إنه مصمم خصيصاً لتسليط الضوء على هيكل Enigmacursor في وضعية “الجري”، مما يبرز الديناميكية التشريحية للكائن. هذه التقنية تحول الحفرية الساكنة من “قطعة عظمية” إلى كائن يبدو وكأنه متجمد في منتصف حركته (Suspended in Motion)، مما يضفي بعداً عاطفياً ودرامياً على المشهد، ويحفز خيال الزائر لتخيل هذا المخلوق وهو يعدو في بيئته الطبيعية قبل ملايين السنين.
التكامل المكاني: نسج نسيج سردي داخل القاعة
العلاقة البصرية مع “صوفي” الستيجوسورس
لم يتم وضع العارض في موقع عشوائي، بل تم وضعه بدقة على شرفة قاعة الأرض (Earth Hall Mezzanine). هذا الموقع الاستراتيجي يخلق علاقة بصرية مباشرة ومتواصلة مع تمثال “صوفي” الـ Stegosaurus الشهير في الطابق السفلي. هذا الاتصال البصري يخلق “سرداً عمودياً” يربط بين فترتين زمنيتين متباعدتين في تاريخ تطور الديناصورات، مما يعمق من فهم الزائر للتنوع والزمن الجيولوجي، ويحول الزيارة من مشاهدة معروضات منفصلة إلى قراءة فصل متصل من قصة الحياة على الأرض.

الاحترام الكامل للعمارة التاريخية
يقع المشروع داخل مبنى مصنف من الدرجة الأولى (Grade I Listed Building)، مما يعني أن أي تدخل معماري جديد يجب أن يتم بحساسية فائقة تجاه النسيج التاريخي الأصلي. استجاب تصميم Ogden Architects لهذا التحدي من خلال دراسة دقيقة لنسب وتفاصيل القاعة. لقد تم تصميم أبعاد وارتفاعات العارض الجديد ليتناغم مع ضخامة وتفاصيل القاعة التاريخية، دون محاكاتها أو منافستها، بل مضيفاً طبقة معاصرة ومتميزة تحترم الماضي.
التحدي والاستجابة: هندسة في بيئة حساسة
يمثل تصميم أي عنصر جديد داخل مبنى تاريخي ومحمي تحدياً معمارياً صعباً. كيف يمكن للجديد أن يبرز دون أن يطغى؟ وكيف يمكن أن يتكيف دون أن يتنكر؟ كانت إجابة Ogden Architects من خلال:
- الوضوح المعاصر: استخدام لغة معاصرة صريحة (كالزجاج عديم الإطار والحجر المصقول) تميز العارض بوضوح عن الخلفية التاريخية.
- القياس المتناسب: ضبط أبعاد العارض لملاءمة نطاق القاعة الضخم دون أن يسحقها أو يضيع فيها.
- الأداء الوظيفي: ضمان أن التصميم يلبي أعلى معايير الحفظ العلمي من حيث التحكم بالرطوبة والاستقرار الحراري داخل العارض، وهو ما تم تحقيقه بشكل غير مرئي.

الخلاصة: إرث معماري لعينة علمية خالدة
في الختام، يمثل عارض Enigmacursor Mollyborthwickae لقاءً راقياً بين العلم والفن، بين الحفظ والعرض. هو نموذج يُحتذى به في عمارة المتاحف الحديثة، حيث يثبت أن التدخل المعماري الصغير والحساس يمكن أن يكون له تأثير كبير على تجربة الجمهور وإدراكهم للتراث العلمي. لم يعد Enigmacursor مجرد عينة أحفورية أخرى في متحف التاريخ الطبيعي، بل أصبح بفضل هذا التصميم معلمًا معماريًا بارزًا، وشاهداً على أن العمارة يمكن أن تكون أداة فعالة لإحياء التاريخ وإثراء الحوار الثقافي والعلمي.
✦ رؤية تحريرية من ArchUp
يقدم المشروع عارضاً معمارياً مخصصاً لحفريات ديناصور “Enigmacursor Mollyborthwickae” داخل قاعة الأرض في متحف التاريخ الطبيعي بلندن، بهدف خلق تجربة مشاهدة متكاملة بين القطعة الأثرية والزائر. يفرض الحل الزجاجي العديم الإطار شفافية بصرية تامة، إلا أن هذه الشفافية قد تخلق تحديات في التحكم بالانعكاسات الضوئية والوهج، مما قد يشوش على وضوح رؤية التفاصيل الدقيقة للحفرية من بعض الزوايا. يعتمد التصميم على الإضاءة الخطية المخفية لإبراز ديناميكية الحفرية، لكن هذا الخيار يضع العينة في حالة إضاءة ثابتة ومحددة، مما يحد من إمكانية تقديم قراءات متعددة للشكل تحت ظروف إضاءة مختلفة. من الناحية الإيجابية، ينجح الموقع المركزي للعارض على الشرفة في إنشاء حوار بصري مباشر مع المعروضات الأخرى في القاعة، مما يعزز الترابط السردي بين مقتنيات المتحف.
مقدم لكم من فريق تحرير ArchUp
من هنا يبدأ الإلهام. تعمق في الهندسة المعمارية، والتصميم الداخلي، والبحث، والمدن، والتصميم، والمشاريع الرائدة على ArchUp.