لماذا لا يزال المعماريون يتقاضون أجورًا منخفضة؟ وما الذي يجب أن يتغير قبل عام 2030؟
رغم أن مهنة العمارة تتطلب قدرًا عاليًا من التعليم، والإبداع، والمهارات العقلية والعاطفية، إلا أن أجور المعماريين لا تعكس هذه المتطلبات. في الوقت الذي تزداد فيه أهمية التصميم في تشكيل المدن والمجتمعات، لا تزال أجور المعماريين متدنية، بنمو بطيء وهياكل مالية قديمة لا تُواكب طبيعة العمل الحديث.
فجوة بين الجهد والتقدير
في تقرير حديث نشرته Fast Company، تم تسليط الضوء على الأسباب التي تجعل المعماريين في كثير من الأحيان يتقاضون رواتب أقل من نظرائهم في مجالات أخرى. ولكن الحقيقة أن المشكلة لا تتوقف عند الرواتب فقط، بل تمتد إلى نظام كامل حيث تبقى أجور المعماريين بحاجة إلى إعادة نظر، يعاني من الجمود والتقادم.
1. نظام تسعير لم يتغير
ما زال الكثير من المعماريين يتقاضون أتعابهم كنسبة مئوية من تكلفة البناء. هذا النظام الذي نشأ منذ عقود لم يُحدّث ليواكب المهام الجديدة التي يقوم بها المعماري، ولا يعكس تعقيد التصميمات الحديثة أو تدخل تخصصات متعددة في المشروع؛ إذ يحتاج أجور المعماريين إلى مراجعة جذرية.
2. حساسية مفرطة للركود
تُعتبر العمارة من أكثر المهن عرضة للتأثر بالتقلبات الاقتصادية. فعند أول أزمة مالية، تتوقف المشاريع وتُجمّد الاستثمارات، مما ينعكس فورًا على الرواتب وفرص العمل. هذا جعل مكاتب التصميم أكثر تحفظًا، تُبقي الرواتب في الحد الأدنى خوفًا من المستقبل، مما يؤثر على أجور المعماريين بشكل كبير.
3. التقدّم البطيء في الدخل
على عكس مجالات مثل التكنولوجيا أو الاستثمار، حيث يقفز الدخل سريعًا، غالبًا ما يواجه المعماريون سقفًا في رواتبهم حتى بعد سنوات طويلة من الخبرة، مما يجعل أجور المعماريين تحديًا مستمرًا حتى لأصحاب الخبرة الذين أمضوا أكثر من 10 سنوات في المهنة، إذ كثيرًا ما يعانون في تجاوز حاجز الدخل المتوسط.
4. غياب ثقافة التفاوض
العمارة ما تزال تُقدَّم كمهنة “شغف”، وهذا التصور الرومانسي يُضعف من قدرة المعماري على المطالبة بحقوقه المالية. فالعملاء لا يرون التصميم كمكون أساسي في المشروع، بل مجرد إضافة جمالية، مما يقلل من استعدادهم لدفع أتعاب عادلة، وبالتالي يؤثر سلبًا على أجور المعماريين.
تغيير حقيقي يتطلب تغيير المفهوم
الحل لا يتمثل فقط في طلب زيادة الأجور، بل في إعادة تشكيل النموذج بالكامل. إحدى الأفكار المطروحة هي التسعير بناءً على القيمة، وليس كنسبة من التكلفة. هذا يعني أن الأجر يُحتسب بناء على النتائج، مثل تحقيق وفورات في الطاقة، أو تحسين جودة الحياة، أو تعزيز الاستدامة. هذا النموذج معمول به في مجالات مثل الاستشارات الإدارية، لكن العمارة ما زالت متأخرة في تبنيه بما يشمل تعزيز أجور المعماريين.
كذلك، يحتاج المعماريون إلى تغيير موقعهم في سلسلة القيمة؛ يجب أن يُنظر إليهم كمستشارين استراتيجيين يساهمون في اتخاذ قرارات حاسمة، وليس فقط كمصممين للرؤية الجمالية للمشروع.
2025–2030: هل يشهد العقد تغيرًا جذريًا؟
المرحلة | التوقعات |
---|---|
2025–2026 | استمرار الضغوط الاقتصادية، واحتفاظ المكاتب بحذرها المالي، ما سيُبقي الأجور محدودة مؤقتًا. |
2027–2028 | ضغط الجيل الجديد من المعماريين، وانتشار الشفافية، وتحول العمل عن بعد، سيدفع المكاتب نحو تحديث السياسات المالية. المعماريون المتقنون للتقنيات الرقمية سيبدأون في الحصول على رواتب أعلى. |
2029–2030 | من المتوقع أن يبدأ تطبيق نماذج الأجر حسب القيمة والتخصصات النادرة، مثل التصميم البيئي، وإعادة استخدام المباني، والتصميم الحسابي، مما يُحدث نقلة في تقدير المهنة ماليًا. |
خطوات عملية لتحسين وضع المعماريين
الفكرة | التحرك المقترح |
---|---|
ربط التصميم بنتائج قابلة للقياس | اعرض في ملف أعمالك أثر تصميمك على الجودة، والاقتصاد، والاستدامة |
التقنية ليست خطرًا بل أداة دعم | تبنَّ أدوات الذكاء الاصطناعي وكن من يقود استخدامها، لا من يقاومها |
الصحة النفسية ليست رفاهية | طالب بتحديد واضح لساعات العمل والمسؤوليات ومراعاة التوازن بين الحياة والعمل |
اعرف قيمتك وادفع نحو التغيير | شارك بيانات الرواتب، ابنِ شبكة دعم مهني، وناقش العدالة المالية داخل بيئتك |
✦ ArchUp Editorial Insight
الأزمة التي تواجه المعماريين اليوم ليست اقتصادية فقط، بل ثقافية أيضًا. فالعمارة واحدة من المجالات القليلة التي تدمج بين الفن والوظيفة والسياسة والبيئة، ومع ذلك لم ينعكس هذا التعقيد على التقدير المالي لممارسيها، بما في ذلك أجور المعماريين.
إذا أردنا مستقبلًا أفضل للمهنة، يجب أن تتغير القصة التي نرويها عنها. على المعماري أن يُقدَّم كقائد فكري واستراتيجي، لا كمنفّذ. السنوات الخمس القادمة ستكون حاسمة؛ فإذا تمكنا من إعادة تصور موقع العمارة في قلب التنمية، فقد نرى أخيرًا واقعًا جديدًا أكثر عدالة، يكافئ المعماريين بما يتناسب مع تأثيرهم الحقيقي.
ArchUp
إلى توثيق المسار المعماري والعمراني في العالم العربي، من خلال محتوى تحريري دقيق، وتحليلات غنية تعكس عمق التصميم وتنوع المدارس المعمارية. يدير التحرير فريق متخصص يحرص
على تغطية كل جديد في المجال، ويمكنكم دائمًا معرفة المزيد عن فريق المحررين، أو التواصل معنا
للمساهمة أو المشاركة في بناء هذا الأرشيف المعرفي المفتوح.