متحف فيجنر في توندر: صرح معماري يحتفي بجذور التصميم الدنماركي
متحف فيجنر: تكريم للإرث الدنماركي في التصميم
كشف استوديو الهندسة المعمارية الدنماركي COBE عن تصميمه المبتكر لمتحف Wegner، وهو مشروع ثقافي جديد يهدف إلى الاحتفاء بحياة وإرث المصمم الأسطوري هانس ج. فيجنر، المعروف عالميًا بلقب سيد الكرسي.
يمثل هذا المتحف أكثر من مجرد مبنى للعرض؛ فهو رؤية معمارية تهدف إلى تخليد رموز الحِرَف الدنماركية التي شكّلت جزءًا أساسيًا من هوية التصميم في القرن العشرين.
عودة إلى الجذور الدنماركية
سيُقام المتحف في الأراضي الرطبة خارج مدينة توندر، مسقط رأس فيجنر، حيث بدأ مسيرته المهنية كنجّار متدرّب.
اختيار هذا الموقع لم يكن صدفة، بل هو تعبير عن عودة رمزية إلى المكان الذي شكّل وعيه الأول بجمال الخشب وبساطة الحرفة.
ومن خلال هذا الارتباط بالمكان، يسعى المشروع إلى دمج الماضي بالحاضر، وتقديم تجربة معمارية تعبّر عن استمرارية التراث الدنماركي في التصميم.
تصميم يجمع بين التاريخ والحداثة
يمتد المتحف على مساحة خمسة آلاف متر مربع، ويحوّل مبنيين زراعيين تاريخيين يعودان إلى القرن الخامس عشر (عام 1445) إلى صرح معماري حديث.
يأتي هذا الدمج بين البنى التاريخية والابتكار المعاصر كتجسيد حي لفلسفة التصميم الاسكندنافي التي تقوم على التوازن بين الوظيفة والجمال، وبين الأصالة والتجديد.
رؤية المشروع وأهدافه الثقافية
أوضح استوديو COBE أن الهدف من المشروع هو تكريم أسطورة التصميم الدنماركي، وتقديم مساحة تسلط الضوء على المنهج الحرفي والفلسفة الجمالية التي ميّزت أعمال فيجنر.
كما أشار إلى أن الدنمارك تمتلك حاليًا متحفين فقط مخصصين للتصميم الدنماركي، ما يجعل هذا المشروع إضافة ضرورية لتعزيز الوعي الثقافي بهذا المجال.
أكثر من مجرد متحف
لا يهدف متحف فيجنر إلى عرض قطع الأثاث وحسب، بل يسعى إلى إحياء القيم والمبادئ التي جعلت من أعمال فيجنر رموزًا عالمية.
فمن خلال تصميمه وتكوينه المكاني، يعكس المتحف روح البساطة والصدق في الحرفة، وهي المبادئ التي لطالما شكّلت جوهر التصميم الدنماركي الحديث.
فلسفة تصميم متجذّرة في الحِرَف اليدوية
يستند نهج استوديو COBE في تصميم متحف فيجنر إلى الفلسفة الجمالية والوظيفية التي تميّز بها فيجنر نفسه.
فهي فلسفة تقوم على صدق المواد ووضوح أساليب البناء، إلى جانب الانسجام بين الشكل النحتي والوظيفة اليومية، وهو ما جعل أعماله تتجاوز حدود الزمن.
الاستخدام الصادق للمواد
تركّز الاستراتيجية التصميمية للمشروع على ما يسميه الفريق المعماري الاستخدام الصادق للمواد.
ولهذا السبب، تم اختيار الخشب ليكون المادة الأساسية في جميع الإضافات المعمارية الحديثة، إذ كان الخشب دائمًا العنصر المفضل لدى فيجنر في إبداعاته.
من خلال هذا التوجّه، يهدف المشروع إلى إحياء علاقة الإنسان بالمادة الطبيعية، وإبراز قيم الدفء والبساطة التي تميّز التصميم الاسكندنافي.
كما تُظهر تقنيات البناء التقليدية حضورًا واضحًا ضمن التفاصيل، لتجسّد العلاقة العضوية بين الشكل والوظيفة، على غرار ما فعله فيجنر في أعماله الكلاسيكية مثل كرسي ويشبون (Wishbone Chair) وذا تشير (The Chair)، الذي اكتسب شهرة عالمية بعد استخدامه في المناظرات الرئاسية الأمريكية بين كينيدي ونيكسون عام 1960.
احترام التاريخ وتوازن الحداثة
يُعامل التدخل المعماري المباني الزراعية التاريخية باحترام بالغ، محافظًا على طابعها الأصيل مع تهيئتها لتكون مساحة ثقافية حية.
أما الهياكل الخشبية الجديدة فستُقام على دعامات رفيعة، لتخلق حوارًا بصريًا متناغمًا بين القديم والجديد، يعكس فلسفة التصميم الدنماركي القائمة على التوازن لا التنافس.
ولا تهدف هذه الإضافات إلى منافسة المباني الأصلية، بل إلى تكاملها معها بانسجام بصري ووظيفي.
هذا التفاعل بين التاريخ والمعاصرة يُعيد إلى الأذهان قدرة فيجنر الفريدة على مزج الجمال النحتي مع البساطة العملية، وهي الميزة التي جعلت أعماله رمزًا عالميًا مستمرّ التأثير حتى اليوم.
عودة إلى الجذور من أجل إرث التصميم الدنماركي
يقع متحف فيجنر في مدينة توندر بجنوب غرب الدنمارك، وهي مدينة تحمل قيمة شخصية عميقة في حياة المصمم الشهير.
ففيجنر نشأ هنا، وتكوّن وعيه المبكر بالحِرَف اليدوية وخصائص المواد الطبيعية، ليصبح هذا المكان اليوم نقطة انطلاق رمزية لرحلته من متدرّب نجارة إلى أيقونة تصميم عالمية.
اختيار هذا الموقع لم يكن قرارًا جغرافيًا فحسب، بل هو ربط بين الجذور والإنجاز، حيث يعود المشروع إلى الموضع الذي بدأ منه كل شيء، ليعيد صياغة الحكاية من منظور معماري حديث.
رؤية COBE وتجربة غنية في المشاريع الثقافية
تم اختيار استوديو COBE لتنفيذ المشروع عام 2024، وهو يعمل حاليًا على تطوير التصاميم التفصيلية بالتوازي مع تأمين التمويل اللازم للمتحف.
يُذكر أن الاستوديو، الذي أسّسه دان ستوبرغورد عام 2006، يمتلك خبرة واسعة في تصميم المشاريع الثقافية الحساسة، بما في ذلك حديقة الأوبرا في كوبنهاغن، إضافة إلى مشاريع ترميم التراث الإسكندنافي في عدد من المدن الشمالية.
تُظهر هذه الخلفية الواسعة قدرة الفريق على التعامل مع المواقع التاريخية ذات الأبعاد الثقافية العميقة، وهو ما يجعلهم الخيار الأمثل لإحياء إرث فيجنر ضمن سياق معماري معاصر.
متحف يتفاعل مع الطبيعة والإرث المحلي
لا يسعى متحف Wegner إلى أن يكون مجرد مساحة عرض تقليدية، بل يُتوقع أن يشكّل تحفة معمارية تفاعلية تنسجم مع الطبيعة والسياق المحلي.
يعتمد تصميمه على فكرة التواصل بين الإنسان والمكان، بحيث يشعر الزائر بأن العمارة ليست غاية جمالية فحسب، بل وسيلة لتجسيد روح الحِرفة التي لطالما ميّزت التصميم الدنماركي.
من خلال هذا النهج، يسعى المشروع إلى تعزيز القيمة الثقافية والتاريخية للموقع، وتعريف الأجيال الجديدة بفكر فيجنر الثوري في تصميم الأثاث، والذي جمع بين البساطة، والدقة الحرفية، والوظيفة اليومية.
تخليد إرث فيجنر عبر العمارة
في نهاية المطاف، يشكّل هذا المشروع تكريمًا معماريًا عميقًا لأحد أعظم رموز الدنمارك في عالم التصميم.
فالمتحف لا يكتفي بعرض أعمال فيجنر، بل يجسّد المبادئ التي آمن بها وكرّس حياته لترسيخها: الصدق في المواد، التوازن في التكوين، والاحترام العميق لجمال الحرفة اليدوية.
بهذا، تستعد الدنمارك لاحتضان صرح معماري يجمع بين الذاكرة والإبداع، ويعيد تعريف العلاقة بين التصميم والهوية الثقافية في زمن سريع التحوّل.
✦ تحليل ArchUp التحريري
يمثل متحف فيجنر إضافة ملفتة للبيئة المعمارية والثقافية في توندر، إذ يظهر احترامًا واضحًا للتراث المحلي وفلسفة المصمم هانس ج. فيجنر، ويجسّد دمجًا بين الأصالة والابتكار في تصميمه. ومع ذلك، يبدو أن المشروع قد يواجه تحديات تتعلق بمدى تفاعل الزوار مع الفراغات الجديدة، وصعوبة الحفاظ على الطابع التاريخي للمباني القديمة وسط الإضافات الخشبية الحديثة. كما قد يشعر البعض بأن الفكرة المعمارية مركزة أكثر على الرؤية النظرية والفلسفية للتصميم، بينما تظل تجربة الاستخدام العملي والوظيفي للفضاء أقل وضوحًا. وعلى الرغم من هذه التحفظات، يبقى المشروع خطوة مهمة في إعادة الاعتبار للحرف اليدوية والتراث التصميمي، مع إمكانات مستمرة لتطويره وتكييفه مع توقعات الجمهور.
قُدم لكم بكل حب وإخلاص من فريق ArchUp
لا تفوّت فرصة استكشاف المزيد من أخبار معمارية في مجالات الفعاليات المعمارية، و التصميم، عبر موقع ArchUp.