مطعم بطابع روماني في قلب لندن: لقاء الصدفة الذي تحوّل إلى مشروع تصميم وطهو متكامل
خلفية التعاون في مشروع الطهو الجديد
في شمال لندن، برز مطعم جديد يستلهم الطابع الروماني في تصميمه ومأكولاته. ويقف وراء هذا المشروع شخصيتان بارزتان من خلفيات مختلفة: إد تمبلتون، الشريك في مطعم “كاروسيل”، وثيو جيمس، الممثل المعروف من مسلسل “وايت لوتس”.
من لقاء عابر إلى شراكة عملية
لم تبدأ الشراكة من عمل احترافي، بل من موقف إنساني بسيط. فقد تعرّفت زوجتا إد وثيو، وهما ممثلتان، أثناء نزهة في حديقة “هايبري فيلدز” خلال فترة الإغلاق. هذا اللقاء العفوي شكّل البداية لتبادل الأفكار حول غياب الأماكن غير الرسمية ولكن عالية الجودة لتناول الطعام في الحي.
التفكير في المساحات المجتمعية
الرغبة المشتركة التي عبّرت عنها العائلتان عكست حاجة متزايدة في الأحياء السكنية الراقية: إيجاد مكان يقدّم طعامًا ممتازًا في أجواء مريحة، دون الرسمية الزائدة التي قد تعيق التواصل أو تبعد السكان المحليين.
تصميم داخلي يمزج بين العراقة والبساطة المعاصرة
جاء تصميم المطعم نتاج رؤية شخصية شارك فيها إد تمبلتون مع زوجته جورجيا ماجواير، بالإضافة إلى روث كيرني، زوجة ثيو جيمس. وقد استُوحي الطابع العام من مزيج بين الملامح الفيكتورية الأصلية للمبنى ولمسات عصرية تعكس حسًا جماليًا هادئًا.
تحديات المساحة الصغيرة وحلول حرفية
نظرًا لصغر مساحة المكان—الذي لا يتسع لأكثر من 28 ضيفًا—جرى التركيز على تصميم عملي يوفر الراحة ويعزز الشعور بالتقارب. لذا، اختيرت مقاعد طويلة صنعت يدويًا بواسطة الحرفي هيرب بالمر في وولتهامستو، وهو ما يضيف بُعدًا محليًا للمكان ويعكس العناية بالتفاصيل.
التفاصيل الفنية كجزء من الهوية البصرية
ساهمت الخزّافة فالنتين بِنوا، وهي صديقة مقربة، في تصميم مزهريات يدوية تزيّن الطاولات المضاءة بالشموع، مما يضفي أجواء دافئة وحميمة. أما الجدران، فقد طُليت بالجير واعتمدت ألوانًا ترابية مستمدة من الطين المحروق، في إشارة واضحة إلى الجذور الرومانية التي يستوحي منها المطعم روحه.
خدمة تتماشى مع الجو العام
تماشيًا مع الأجواء الهادئة والإضاءة الخافتة، جاءت الخدمة غير متكلفة، لتؤكد على فكرة البساطة والألفة التي تحكم تجربة الزبون داخل المكان.

التفكير في الراحة ضمن مساحة محدودة
يشير إد تمبلتون إلى أن صغر مساحة المطعم لعب دورًا رئيسيًا في تحديد نوع الأثاث والتخطيط الداخلي. فاختيار المقاعد الطويلة لم يكن قرارًا جماليًا فحسب، بل جاء كحل عملي يسمح بزيادة عدد الضيوف دون المساس بالراحة. وقد عكست هذه المقاربة فهمًا دقيقًا لكيفية الاستفادة من المساحات الصغيرة في التصميم الداخلي.
استلهام من المقاهي الرومانية
من بين التفاصيل التي اختارها فريق التصميم بعناية: الستائر النصفية على النوافذ. هذه اللمسة البسيطة تخلق خصوصية لرواد المكان، إذ لا يظهر من الخارج سوى رؤوسهم وأضواء الشموع المتمايلة، ما يعزز الشعور بالحميمية والدفء. أما لون الواجهة الخارجي، الذي يميل إلى الأصفر الترابي (الأوكر)، فقد اختير ليعيد إلى الأذهان ساحة “كامبو دي فيوري” في روما، على الرغم من أن التجربة المناخية في لندن قد تحمل مفارقات مثيرة.
بين العفوية والحداثة: فلسفة التصميم الجمالي
روث كيرني، التي شاركت في تأسيس المشروع، توضح أن الرؤية الجمالية للمكان مستوحاة من أجواء مطاعم “التراتوريا” الصغيرة في الأزقة الخلفية، حيث الحياة تنبض بشكل عفوي وودود. لكنها تؤكد أن الهدف لم يكن تقليد النمط الكلاسيكي بشكل مباشر، بل إعادة تفسيره بلمسة معاصرة. لذلك جرى توظيف عناصر مثل الإضاءة والفن والموسيقى ليس فقط لخلق جو خاص، بل لنقل إحساس عميق بالاهتمام بالتفاصيل منذ اللحظة الأولى لدخول الزائر.


تأثير التجربة الشخصية في تكوين الهوية الطهوية
قضى إد تمبلتون جزءًا من شبابه في روما، وهي تجربة تركت أثرًا واضحًا في رؤيته للمطبخ. هذا الارتباط الشخصي بالثقافة الإيطالية انعكس في اختياراته، إذ استعان بالشيف ناز حسن، الذي نشأ في ميلانو ويملك خبرة في مطبخ متنوع، ليشرف على إعداد قائمة طعام تعبّر عن روح المطبخ الروماني بطريقة معاصرة.
قائمة طعام مختصرة… لكنها معبّرة
اختيرت الأطباق بعناية لتمزج بين الكلاسيكيات المحببة للجمهور والتخصصات الموسمية التي تحافظ على الأصالة. فبدلاً من قائمة طويلة، تأتي الخيارات محدودة لكن غنية بالنكهات:
- كاربونارا أو كاتشيو إي بيبي تُحضّر باستخدام معكرونة تُلف يدويًا، مما يعزز قوامها وتوازن النكهات.
- شرائح لحم الضأن المشوية: تُقدم بقرمشة واضحة، مع احترام الطرق التقليدية للشوي.
- أطباق نباتية مثل “كارشوفي ألا رومانا”: قلوب خرشوف محشوة بالأعشاب وتُطهى في مزيج من زيت الزيتون والثوم والنبيذ الأبيض، مما يعكس البساطة العميقة للمطبخ الروماني.
تفاعل مع السياق المحلي
في لفتة ذكية تُراعي طبيعة الحي ومناسباته، يُقدَّم أيضًا خيار عملي لرواد المكان خلال أيام المباريات، لا سيما أن المطعم يقع قريبًا من ملعب أرسنال. إذ يمكن للزوار الحصول على ساندويتش بورشيتا سميك، في إشارة إلى الدمج بين الجودة وسهولة التناول خارج المكان.

✦ تحليل ArchUp التحريري
يقدّم هذا المشروع نموذجًا مثيرًا للاهتمام في كيفية ترجمة الذوق الشخصي والخلفية الثقافية إلى فضاء معماري وتجربة طهو متكاملة. فالجمع بين تأثيرات رومانية كلاسيكية ولمسات معاصرة يشير إلى فهم عميق للسياق المكاني والاجتماعي للحي. غير أن هذا التوجّه، رغم جمالياته الواضحة واهتمامه بالتفاصيل، قد لا يبتعد كثيرًا عن التوجّه “المديني النخبوي” الذي يحكم الكثير من المشاريع الجديدة في أحياء لندن الراقية. بمعنى أن البساطة المقصودة قد تبقى “منسقة بعناية”، مما يطرح سؤالًا عن مدى واقعية أو شمولية هذا النمط في تلبية مختلف الشرائح الاجتماعية.
في نهاية المطاف، يمكن اعتبار المطعم تجربة تصميم وطهو ناجحة من حيث المزج بين الانطباع الحسي والوظيفي، لكنها أيضًا تُشكّل حالة تستحق التأمل في حدود العلاقة بين الأصالة والتأويل المعاصر، وبين الحميمية كمفهوم معماري والواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي تحتضنه.
قُدم لكم بكل حب وإخلاص من فريق ArchUp
لا تفوّت فرصة استكشاف المزيد من مجال التصميم، و المشاريع المعمارية، و التصميم الداخلي، عبر موقع ArchUp.