استكشاف التقاطع بين علم النفس والتكنولوجيا والفن
يُعيد المصمم جاكوب كوزنيفسكي تعريف حدود الفن التوليدي من خلال سلسلته الرائدة “نماذج الأزمة” (Models of Crisis) – وهي مجموعة من ثلاث منحوتات حركية تدمج بين النصوص الخوارزمية والحركة الميكانيكية والتعبير العاطفي. تعمل هذه الأعمال الهجينة كجسر بين الحوسبة الرقمية والأداء المادي، مقدمةً رؤية فريدة لكيفية استخدام التكنولوجيا في تمثيل الحالات النفسية الداخلية.
باستخدام نماذج اللغة الكبيرة (LLMs)، يحوّل كوزنيفسكي العمليات العاطفية والمعرفية المجردة إلى أعمال فنية متحركة ملموسة. كل قطعة تعمل كـ قصيدة حركية، حيث يتشابك النص والحركة ليعكس المشاعر الإنسانية بطريقة بصرية جذابة وعميقة المفاهيم.
كيف تعكس “نماذج الأزمة” الحالات النفسية رقمياً؟
يستكشف عمل كوزنيفسكي كيف يمكن لـ المحاكاة القائمة على البيانات – المستخدمة عادةً في مجالات مثل علوم المناخ والاقتصاد واللغويات – أن تُستخدم أيضاً لـ تصور التجارب الذهنية الشخصية. كل منحوتة تجمع بين:
- نصوص مولَّدة خوارزمياً (من خلال نماذج لغة مدربة على بيانات عاطفية ونفسية)
- أنظمة حركية ميكانيكية (تخلق حركات ديناميكية وإيقاعية)
- شاشات أبجدية رقمية مكونة من 14 قطعة (تعرض النص بطريقة أدائية متطورة)
والنتيجة هي سلسلة من المنحوتات النصية الحركية التي تعكس الصراعات الداخلية، القلق، والإيجابية العابرة.
تحليل المنحوتات الحركية الثلاث
1. تقلُّب المزاج: تصوير عدم الاستقرار العاطفي
- الفكرة: تمثل التقلبات غير المتوقعة للمشاعر الإنسانية.
- الآلية: يتغير العرض بنفس إيقاع الحركة الميكانيكية، محاكياً الطبيعة غير المنتظمة للتقلبات المزاجية.
- البُعد النفسي: يُظهر كيف أن المشاعر ليست ثابتة أبداً – بل تتأرجح بين الارتفاع والانخفاض باستمرار.

2. قطار الأفكار: الحلقة المفرغة للتفكير الزائد
- الفكرة: تحاكي أنماط التفكير القلقة والمتكررة.
- الآلية: نص يتحرك باستمرار يعرض تدفقاً غير منقطع من التأملات القلقة والندمية.
- البُعد النفسي: يُبيّن كيف يمكن للعقل أن يعلق في حلقات معرفية، يعيد نفس الأفكار دون حل.

3. انهض واستنير: وهم التعزيز الإيجابي
- الفكرة: تعرض عبارات إيجابية في حركة متتالية.
- الآلية: تعكس الحركة محاولات مطمئنة متكررة، لكنها تبدو ميكانيكية وصلبة، مما يشير إلى الفراغ وراء التفاؤل السطحي.
- البُعد النفسي: يناقش كيف يمكن أن يكون التفاؤل الظاهري أحياناً غير مُرضٍ أو زائفاً.

التأثيرات الفنية والحاسوبية وراء العمل
تستلهم “نماذج الأزمة” من:
1. حركة “أوليبو” (الأدب القائم على القيود)
- مجموعة أدبية تبنَّت الكتابة الخوارزمية والقائمة على القواعد.
- يطبق كوزنيفسكي قيوداً هيكلية مماثلة، لكن عبر أنظمة رقمية وميكانيكية بدلاً من النص وحده.
2. الفن التوليدي والتفاعل بين الإنسان والكمبيوتر
- يستخدم نماذج اللغة الكبيرة ليس فقط للدردشة، بل كـ أدوات لتجريد المشاعر.
- يطرح تساؤلات حول كيف يمكن تجسيد النصوص المولَّدة بالذكاء الاصطناعي في أشكال مادية.
3. النحت الحركي وفن الوسائط الجديدة
- يتبع خطى فنانين مثل جان تنجلي ونام جون بايك، الذين مزجوا الحركة بالمعنى.
- يُوسع مفهوم الفن النصي (مثل أعمال جيني هولزر) بإضافة طبقات توليدية وتفاعلية.


لماذا هذا العمل مهم؟ مستقبل التصميم القائم على المشاعر
يفتح مشروع كوزنيفسكي آفاقاً جديدة في:
الفن الهجين الرقمي-المادي – دمج النصوص الذكية مع المنحوتات الحركية.
تصوير الصحة العقلية – جعل المشاعر المجردة ملموسة عبر الحركة واللغة.
التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي – استخدام نماذج اللغة ليس فقط لأغراض وظيفية، بل لـ التعبير الفني والعاطفي.
مع تطور التكنولوجيا، تتحدى أعمال مثل “نماذج الأزمة” مفاهيمنا حول كيف يمكن للآلات أن تفهم، تعكس، وحتى تتعاطف مع النفس البشرية.
خاتمة: حيث يلتقي النص والحركة والعاطفة
عمل “نماذج الأزمة” لجاكوب كوزنيفسكي ليس مجرد عرض فني – بل هو تأمل تكنولوجي في الحالة الإنسانية. من خلال دمج النصوص الخوارزمية، الحركة الميكانيكية، والعمق النفسي، يخلق شكلاً جديداً من الفن التعبيري الذي يجمع بين الإثارة الفكرية والسحر البصري.
لمهتمي الفن التوليدي، التصميم القائم على الذكاء الاصطناعي، أو النحت الحركي، يمثل هذا العمل تقاطعاً مذهلاً بين التخصصات، دافعاً حدود كيفية رؤيتنا، قراءتنا، وشعورنا بالتفاعلات بين الرقمي والمادي.
تابع كل جديد في عالم المحتوى “المعماري” من مشاريع واتجاهات وأفكار جريئة عبر منصة ArchUp.
