لطالما اشتهرت التصميمات الخارجية للمباني الإسلامية بهندستها الدقيقة والمتناظرة، في حين تتمثل الحداثة في الأسطح الصارخة والخطوط الواضحة.
ولا شك أن العمارة هي أم الفنون كما يسميها المعماريون والفنانون، حيث تشكل الهندسة المعمارية معظم الأنشطة الفنية والإبداعية الداخلية والخارجية،
بواجهاتها المعمارية المميزة. كما تضم أيضًا إبداعات الخشب والرخام، والمعادن وما إلى ذلك مع حلول التصميم الهيكلية والبلاستيكية والوظيفية المختلفة.
وهذا جعل العمارة محفز دائم للإبداع الفني والابتكار ومصدرا للإلهام في مختلف مجالات الفن.
أما العمارة الإسلامية بكل قيمها الجمالية والفنية المتنوعة فقد ألهمت العالم والفنانين والمصممين منذ ظهورها.
وقد انعكس هذا الإلهام الإسلامي على أنشطة فنية متنوعة أبرزها “مدرسة الفن الحديث بأوروبا”،
التي استفادت من الفنون الإسلامية وتأثرت بها فنيًا وإبداعيًا.
فمن النظرة الأولى لتصميمات المباني الإسلامية ينجذب الناظر إليها بشكل خاص،
لما لها من واجهات معمارية بأسلوب جمالي إبداعي أنيق مستوحى من الفن اللامتناهي
وفي الوقت نفسه، ظهرت العديد من التصاميم في مجال الملابس المستوحاة من مختلف الأنواع،
كالزخرفة والمنسوجات الإسلامية حتى يومنا هذا.
المبادئ العامة للعمارة الإسلامية
الأصالة
الأصالة هي أحد المبادئ التي تقوم عليها العمارة الإسلامية، ومع ذلك، فإن “الأصالة” ليست مرادفة لـ “الحداثة” هنا.
بل إنها تشير إلى مواكبة التقاليد المحلية ولكن دون تقليد الماضي، وهو الأمر الذي يتطلب دراسة عميقة للعمارة التقليدية (التي تعد أعظم أشكال التراث اليوم).
فعندما انتشر الإسلام على نطاق واسع، تبنى المسلمون ممارسات البناء في كل مكان يسكنونه ولكنهم قاموا بتكييفها لتناسب هويتهم الإسلامية.
وعلى سبيل المثال، استخدمت قبة الصخرة الألوان المحلية والأعمدة الرومانية القديمة بطريقة تتوافق مع التقاليد الإسلامية.
ويمكن لسياسة “الاعتماد والتكيف” هذه أن تلهم المهندسين المعماريين المعاصرين لاستخدام تقنيات البناء التقليدية بطريقة جديدة.
الحداثة
يحتضن الإسلام العلم الحديث لأن القرآن يشجع على الدراسة والاستكشاف،
وبناء على ذلك، تحتضن العمارة الإسلامية أحدث تقنيات البناء، ولكن دون أن تسعى إلى معارضة ممارسات البناء التاريخية.
مثل هذا التوازن بين الحداثة والتقاليد يفسح المجال لفرص تصميم لا نهاية لها في العالم المعاصر.
وبهذه الطريقة، لن تفقد العمارة هوية المكان ولا جوهر الزمان.
المواد والتقنيات والجغرافيا المحلية
تقف العديد من المباني المعاصرة بشكل محرج في السياق المحيط بها لأنها تقلد المثل الغربية بشكل أعمى.
ومن ناحية أخرى، تعمل العمارة الإسلامية على تعزيز الانسجام بين المباني والبيئة والناس وخالقهم.
وقد استخدمت المساجد الكبرى في قرطبة وأدرنة وشاه جاهان الهندسة والمواد والتقنيات المحلية للتعبير عن نظام ووحدة العمارة الإسلامية بطريقتها الخاصة.
ومع ضجة التنمية الصناعية، بدأ الناس يتجاهلون تراثهم المحلي، ولكن رغم ذلك لم يفت الأوان بعد،
فلا يزال بإمكاننا العمل لاستعادة الإحساس بالموقع والمواد والتضاريس في مبانينا.
التركيز على المستخدم
تسهل العمارة الإسلامية أنشطة المستخدمين بشكل شامل في جميع مراحل تصميم البناء.
بمعنى أنك تبدأ في التفكير في احتياجات المستخدمين وطموحاتهم بدءًا من المرحلة المفاهيمية وحتى العروض النهائية.
السماوية والأرضية
إن دين الإسلام يعترف بالحاجات الجسدية والروحية للإنسان ويلبيها.
وكذلك فإن العوامل السماوية والأرضية في العمارة الإسلامية يكمل بعضها البعض.
فالأنماط المعقدة التي لا نهاية لها على الأسقف تمنح العمارة روحها، في حين أن البساطة والتطبيق العملي المطلق يمنحها قوتها.
كما أن الإسلام يوصي بالزينة وينبذ الترف الزائد، وقد اعتنق البناؤون الإسلاميون وبعض المحدثين أيضًا هذا المفهوم .
ومع ذلك، وعلى عكس العمارة الحديثة، فإن العمارة الإسلامية لا تخلو أبدًا من الزخرفة، بل يظل تحقيق التوازن هو دائما هدفها.
الجيواني في عمارة المنازل
يشير “الجيواني” إلى مبدأ توفير جميع مرافق المعيشة داخل المنزل.
وبما أن الإسلام هو أسلوب حياة متكامل، فقد وفرت هندسته المعمارية كل شيء، بما في ذلك التجربة الخارجية، داخل المنزل.
وكان بإمكان السكان الاستمتاع فعليًا بالمساحات المفتوحة والحدائق والنقوش والزخرفة، وكل ذلك في منازلهم الفاخرة.
كما يوفر الفناء الذي يربط جميع الغرف إطلالات خلابة بينما يربط السكان بالسماء، ومن المثير للاهتمام رؤية مثل هذا المنزل الغني في الوقت الحاضر.
التوازن المناخي في المنازل ذات العمارة الإسلامية
تقع معظم الدول الإسلامية في مناخات حارة وجافة، لذا فقد وفرت العمارة تكييفًا طبيعيًا للهواء،
ليس عن طريق المعدات ولكن من خلال الهيكل نفسه، فقد تم بناء ماسكات الرياح، للاستفادة من الرياح المتدفقة في الهواء الطلق وتزويد الداخل بالتهوية الطبيعية .
كما يتطلب السكن أيضًا عزلًا قويًا عن الحرارة والغبار والملوثات،
ولمواجهة ذلك، قام المهندسون المعماريون بتوفير جدران سميكة مصنوعة من الطين أو الخشب (وهي عوازل طبيعية).
وتم رفع أرضيات الغرف فوق الفناء حتى لا يتسرب الهواء الخارجي إلى الغرف، كما يحتفظ الفناء بالهواء النقي والمعتدل،
وذلك بعد أن تم إغلاق جميع المخارج السفلية للهواء المتدفق.
وهكذا يظل الهواء يحوم حول الفناء حاملاً معه الغبار العالق به.
الخاتمة
إن أكثر ما يوجه الهندسة المعمارية اليوم هو شبكة المدينة أكثر من النطاق البشري.
ومع النمو الصناعي السريع يقدم المصنع كافة الحلول السكنية سواء كانت حرارية أو كهربائية.
ستوديو INJ Architects يصمم مسجد الفلك بإطار مختلف في بريستون، المملكة المتحدة
وقد أصبح الناس أكثر كسلًا بسبب تفوق التقدم التكنولوجي، الذي ساعد في استقرار حياتنا دون أدنى شك.
ولكن ليس من المناسب للهندسة المعمارية أن تعتمد بشكل كامل على هذه الوسائل وتترك وراءها الوسائل الطبيعية التي كانت تستخدمها العمارة التقليدية.
فقد يرغب المهندسون المعماريون المعاصرون في إعادة النظر في بعض هذه التقنيات التقليدية الطبيعية لتحقيق الاستدامة في الوقت الفعلي.