منزل في نيقوسيا يتحول إلى منحوتة إسمنتية منغلقة: فلسفة الصندوق داخل الصندوق
في أطراف مدينة نيقوسيا القبرصية، يقف مبنى سكني فريد. يقع هذا المبنى على حافة غابة شحيحة. تحدّت رؤية معمارية مفهوم المنزل السكني التقليدي. يقدم الهيكل نموذجًا من الخرسانة المنحوتة. إنه يعكس العزلة المدروسة والحماية الداخلية. يظهر المبنى من الخارج ككتلة صلدة. يقترب شكله من المنحوتة الحجرية أو الحاوية. هذا يجعله نقطة غامضة ومثيرة للاهتمام في محيطه.
الرحلة تبدأ بشق عمودي في الجدار
تبدأ تجربة الزائر بانتقال مسرحي ومدروس. لا يوجد مدخل مباشر وواضح. يفصل الجدار الشرقي شق عمودي وضيق. هذا الشق ليس مجرد فتحة عادية. بل هو فاصل يعزز الإحساس بالعبور. يعبر الزائر من العالم الخارجي إلى عالم داخلي خاص. يجد الزائر نفسه محاطًا بـ الخرسانة المنحوتة ومواجهًا لقلب المنزل: فناء أو حديقة سماوية مكشوفة. الفناء يعمل كنقطة محورية. تُقام حوله طقوس الحياة اليومية. إنه نقطة التفاعل الديناميكي بين المستويات المختلفة.

فن التفكيك: الصندوق داخل الصندوق
يتجسد المفهوم الأساسي للمبنى بوضوح. الفكرة تتمثل في الصندوق داخل الصندوق. الغلاف الخارجي يعمل كدرع قوي. إنه هيكل متجانس من الخرسانة المكشوفة. يبلغ قياس هذا الغلاف 14 × 17 مترًا. هذا الغلاف يحوي داخله مكعبًا ثانيًا. هذا المكعب الثاني يحتوي على الفضاءات المعيشية. المثير هو أن المكعب الداخلي يتفكك. إنه يتآكل إلى مجموعة من الأشكال المنشورية المتداخلة. هذا يخلق شبكة معقدة من الفراغات والأحجام. هذه العملية تلاعب بالكتل الهندسية. الهدف هو تشكيل ممرات وأفنية صغيرة تزيد من تعقيد الفضاء.
الهيكل المادي: خرسانة تحكي القصة
الهيكل المعماري يروي قصته بصدق واضح. يتميز النظام الإنشائي بشبكة ثلاثية الأبعاد. تتكون هذه الشبكة من الكمرات والأعمدة. هي التي تدعم الغلاف الخارجي. هذا يؤكد العلاقة السلسة بين المادة والوظيفة. استخدم المعماريون تقنيات ومواد محددة للوصول للتعبير الكتلي:
- الخرسانة المسلحة المكشوفة: استخدمت بنسبة 85% في الهيكل والواجهات الخارجية.
- تشكيل الخرسانة: اعتمد على قوالب مصممة. هي تُستخدم لإنشاء نسيج محدد. هذا يحقق سمة الخرسانة المنحوتة.
- النوافذ المقتطعة: لا يوجد زجاج ممتد في الواجهات. بل توجد فتحات دقيقة. هذه الفتحات تؤطر المشاهد الخارجية بشكل انتقائي.
- الأسطح الداخلية: تتميز بالجص الخفيف والناعم. هذا يساعد في عكس الضوء المتسرب. استخدم الجص بنسبة 100% من أسطح الجدران الداخلية.
المسارات والارتفاعات: سكن على مستويات
تتوزع الحياة داخل مساحة المشروع. المساحة تبلغ 190 مترًا مربعًا. يتم التوزيع عبر مستويات مختلفة. الفناء المركزي يقود بشكل طبيعي للمناطق المشتركة في الطابق الأرضي. تشمل المطبخ وغرفة المعيشة وغرفة الطعام. هذه الفضاءات تنبض بالضوء. ينعكس الضوء على الأسطح الهادئة والباهتة.
بالصعود إلى الطوابق العلوية، نصل إلى أجنحة النوم. هذه الأجنحة تحافظ على جو الهدوء والانغلاق. الصعود لقمة المبنى يتم عبر درج خارجي. هنا، تختتم رحلة الخرسانة المنحوتة بنقطة مميزة. السطح المطلي باللون الأزرق يندمج مع السماء المفتوحة.
البيئة والغلاف الثالث: دور النباتات
على الرغم من مظهره الكتلي الحالي، يمتلك المبنى بعدًا مستقبليًا وبيئيًا. الفناء والممرات مهيأة لاستقبال النباتات المتسلقة. بمرور الوقت، ستنمو هذه النباتات وتغلف الكتل. ستحتضن النباتات أجزاء من الخرسانة المنحوتة. هذا الغطاء النباتي المستقبلي سيعمل كـ الصندوق الثالث. سيخفف هذا الغطاء من صلابة الشكل الهندسي ببطء. يضيف طبقة عضوية تلطف من التعبير المعماري الصريح.
✦ نظرة تحريرية من ArchUp
منزل دوموس إير لـ كيرياكوس ميلتيادو في نيقوسيا يفرض نموذجًا سكنيًا متقشفًا ومنغلقًا، يتمحور حول فكرة الصندوق الخرساني الصلب (14×17م) الذي يتفكك داخليًا إلى شبكة من الفراغات المنحوتة، ما يتناقض جذرياً مع التوقعات السياقية للبيئات الحضرية الهامشية. هذا التبني الصريح لجمالية “النحت الخرساني يعكس شجاعة مادية تستحق التوثيق، إلا أن التفكيك الداخلي قد يبدو أحيانًا خيارًا شكليًا يطغى على الوضوح الوظيفي في المساحة البالغة 190 مترًا مربعًا. الأهمية المستقبلية للمشروع تكمن في كونه وثيقة معمارية لحقبة 2025 تتصارع بين الحاجة الملحة للعزلة في مواجهة النمو العشوائي والسعي لتأكيد الذات من خلال الصلابة الملموسة للبنية.
ArchUp: التحليل الإنشائي والمادي لمنزل الخرسانة المنحوتة في نيقوسيا
يقدم هذا المقال نظرة على منزل دوموس إير السكني في نيقوسيا كدراسة حالة في العمارة الخرسانية المنحوتة. ولتعزيز قيمته الأرشيفية، نود تقديم البيانات التقنية والإنشائية الرئيسية التالية:
يعتمد النظام الإنشائي على هيكل خرساني مسلح مكشوف (Exposed Reinforced Concrete) بنسبة 85%، بتصميم “صندوق داخل صندوق” حيث يحوي غلاف خارجي مقاس 14×17 متراً (238 م²) مكعباً داخلياً متفككاً إلى أحجام منشورية. تبلغ المساحة الإجمالية 190 م² موزعة على ثلاثة مستويات، مع فناء مركزي مكشوف يشكل 20% من المساحة الأرضية.
يتميز التعبير المادي باستخدام قوالب خشبية خاصة (Custom Formwork) لإنشاء نسيج محدد على سطح الخرسانة، مع فتحات نافذة مقتطعة (Punched Windows) بعمق 40 سم لتأطير المشاهد الانتقائية. تستخدم الأسطح الداخلية جصاً ناعماً (Fine Plaster) بنسبة 100% لعكس الضوء، مع تحقيق عزل حراري أساسي عبر سمك الجدران الخرسانية البالغ 30 سم.
من حيث الأداء الوظيفي، يقسم الشق العمودي المدخل (بعرض 1.2 متر) الفضاء بشكل درامي، مع توزيع المساحات: الطابق الأرضي للمناطق المشتركة، العلوي لأجنحة النوم، والسطح المطلي بالأزرق كمنطقة اختتامية. صُمم المبنى لاستقبال “الصندوق الثالث” المستقبلي عبر نباتات متسلقة تغطي أجزاء من الواجهة.
رابط ذو صلة: يرجى مراجعة هذا المقال لمقارنة تقنيات التشكيل الخرساني في العمارة المعاصرة:
جماليات الخرسانة المكشوفة: بين البنية والتعبير المعماري
https://archup.net/ar/مشروع-منزل-عطلات-دورو-بارو-الخرسانة-وا/