لقد تغيرت مواد البناء بشكل كبير خلال العقود الماضية، ولكن في ظل ثورة الذكاء الصناعي، نشهد تغييرات أسرع وأكثر تعقيدًا. التكنولوجيا الجديدة لا تعيد تشكيل المواد نفسها فقط، بل أيضًا كيفية تصنيعها واستخدامها، حيث تركز الشركات المصنّعة اليوم على تبني الاستدامة كنهج مركزي من أجل مواجهة التحديات البيئية العالمية. دعونا نستعرض كيف يمكن أن يبدو مستقبل مواد البناء في ظل هذه التحولات بحلول عام 2030.
ثورة مواد البناء في ظل الذكاء الصناعي
من المتوقع أن تشهد صناعة مواد البناء تحولاً جذريًا بحلول عام 2030، حيث من الممكن أن يتم تحسين الإنتاج والتصميم باستخدام الذكاء الصناعي بنسبة تصل إلى 40-50%. وبفضل الذكاء الاصطناعي، يتم تحليل المواد وعمل تركيبات مبتكرة تتوافق مع المعايير البيئية والمتطلبات الهندسية الفريدة لكل مشروع. على سبيل المثال، تعمل شركات مثل LafargeHolcim على استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير مواد صديقة للبيئة مثل الخرسانة قليلة الكربون، وذلك لتقليل نسبة الانبعاثات التي تُقدر حاليًا بحوالي 8% من إجمالي انبعاثات الكربون العالمية.
الخرسانة والطباعة ثلاثية الأبعاد
الخرسانة، إحدى أكثر المواد المستخدمة في البناء، تعتبر من أكبر المساهمين في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، بفضل الذكاء الصناعي، يتم العمل على تطوير خرسانة ذكية يمكن أن تُقلل من تأثيرها البيئي، مثل تلك التي تحتوي على مكونات معاد تدويرها. إضافةً إلى ذلك، تسهم تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد في تقليل التكاليف والهدر، ومن المتوقع أن تُستخدم هذه التقنيات بنسبة 25% من مشاريع البناء بحلول عام 2030.
المواد الذكية والمدمجة بالتكنولوجيا
المواد الذكية، مثل الزجاج الذكي والعوازل المتكيفة، تعتمد على الذكاء الصناعي لجعل المباني أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. وفقًا لتقرير من Frost & Sullivan، من المتوقع أن ينمو سوق المواد الذكية في البناء بنسبة 15% سنويًا، ليصل إلى 74 مليار دولار أمريكي بحلول 2030. هذه المواد ستتيح تحكمًا أكبر في استهلاك الطاقة داخل المباني، مما يقلل من تكاليف التشغيل بنسبة تصل إلى 30%.
المواد المتكيفة مع البيئة
المواد المتكيفة، مثل الخشب المعالج والمركبات الحيوية، أصبحت أكثر انتشارًا. تمثل هذه المواد، التي تم تطويرها بفضل الذكاء الاصطناعي، بديلاً مستدامًا للمواد التقليدية كثيفة الاستهلاك للطاقة. شركة Katerra مثلاً، تعمل على تطوير مواد بناء تعتمد على أخشاب مُعالجة بطريقة تجعلها أكثر مقاومة وتتحمل تغيرات البيئة بشكل فعال.
التوجه نحو الاستدامة في صناعة مواد البناء
في ظل التوجه العالمي نحو الاستدامة، يتزايد الطلب على المواد التي تُعتبر صديقة للبيئة. تشير الدراسات إلى أن صناعة البناء مسؤولة عن 39% من الانبعاثات الكربونية، منها 11% ناتجة عن عمليات تصنيع المواد نفسها. هذا الأمر يدفع الشركات المصنعة للمواد للبحث عن بدائل أقل تأثيرًا على البيئة، مثل الخرسانة التي تُنتج باستخدام الطاقة المتجددة والمباني المصنوعة من البلاستيك المعاد تدويره.
التحول نحو الاقتصاد الدائري
تسعى العديد من الشركات إلى التحول نحو الاقتصاد الدائري لتقليل الهدر، حيث يُقدر أن الهدر في مواد البناء يمكن أن يُخفّض بنسبة تصل إلى 60% عند تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي. شركات مثل Skanska وBASF تعمل على إعادة استخدام المواد واسترجاعها، وذلك ليس فقط بهدف تقليل النفايات، ولكن أيضًا لتوفير موارد جديدة للبناء من دون استنفاذ الموارد الطبيعية.
التوقعات المستقبلية لسوق مواد البناء بحلول 2030
مع اقتراب عام 2030، من المتوقع أن تصبح مواد البناء الذكية والمستدامة هي القاعدة وليس الاستثناء. ستصبح مواد مثل الزجاج القابل لتغيير اللون لتقليل التوهج وزيادة كفاءة الطاقة جزءًا من البناء التقليدي، مما يساهم في تقليل الحاجة لاستخدام الطاقة بنسبة 20% في المتوسط لكل مبنى.
الذكاء الاصطناعي كمساعد للتنبؤ بجودة المواد
سيساهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تحسين الجودة من خلال أنظمة مراقبة وتوقع تدهور المواد. باستخدام بيانات الاستشعار، يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بمتى تحتاج المواد إلى صيانة أو استبدال، مما يساعد على زيادة عمر المباني وخفض التكاليف بنسبة تصل إلى 30%.
دور الشركات المصنّعة في تحقيق الاستدامة
تشهد السوق العالمية تحولات كبيرة نحو إنتاج مواد مستدامة وذكية. العديد من الشركات الكبرى تضع خططًا طموحة لجعل إنتاجها أكثر استدامة بحلول عام 2040. على سبيل المثال، أعلنت CEMEX عن نيتها الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2050، حيث تعتزم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات الإنتاج وتقليل البصمة الكربونية للمواد.
الابتكار في التصنيع واستهداف المواد الطبيعية
إلى جانب الذكاء الاصطناعي، يلعب الابتكار في المواد الطبيعية مثل الخيزران والكتان دورًا متزايدًا. تشير التوقعات إلى أن مواد البناء المستندة إلى الكتلة الحيوية يمكن أن تغطي حوالي 20% من احتياجات البناء بحلول 2035، حيث تعتبر هذه المواد قابلة للتجديد وتتميز بانخفاض كبير في البصمة الكربونية.
الخلاصة: مستقبل أكثر استدامة للبناء في ظل الذكاء الاصطناعي
يبدو أن المستقبل القريب سيشهد تطورات جذرية في مجال مواد البناء، مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي كأداة لتحسين الإنتاج والكفاءة وتقليل البصمة البيئية. الشركات المصنّعة تتبنى الاستدامة بشكل أكبر، مما يؤدي إلى تطوير مواد جديدة ومبتكرة تدعم الاقتصاد الدائري وتقلل من الاعتماد على الموارد الطبيعية المستنفدة. ومع اقتراب عام 2030، يمكن القول بأن مستقبل البناء سيعتمد بشكل كبير على مواد ذكية، مرنة، وأكثر استدامة، مما يجعل المدن أكثر توازنًا مع البيئة ومتطلبات الاستدامة.
حقوق الصورة: illustrarch وArchova Visuals
للمزيد على ArchUp: