في منتصف القرن العشرين، كان حي بانكر هيل في لوس أنجلوس واحدًا من أبرز الأحياء السكنية التي تميّزت بهندسة معمارية فيكتورية غنية، وهوية اجتماعية متماسكة. كانت المنطقة تعج بالمنازل الخشبية المزينة بالتفاصيل، والسلالم الخارجية، والشرفات المتشابكة، في مشهد يعكس تاريخًا عمره قرن من الزمن.
لكن هذه الصورة لم تصمد طويلًا. ففي عام 1955، أطلقت المدينة مشروعًا طموحًا تحت عنوان التجديد العمراني، سرعان ما تحوّل من خطة تطوير إلى عملية إزالة جذرية لمعلم حضري بأكمله.
حيّ بطابع فريد
بانكر هيل لم يكن حيًا مهملًا أو متدهورًا كما أشيع لاحقًا. بل كان يحتوي على منازل بُنيت في أواخر القرن التاسع عشر، تُظهر مستوى رفيعًا من حرف معماري. كانت النوافذ مزخرفة، والأسقف مرتفعة، والواجهات مطلية بعناية. كثير من المباني امتزجت بالطبيعة المحيطة، ووفرت بيئة مناسبة للحياة العائلية والمجتمعية.


لكن النظرة التخطيطية في ذلك الزمن كانت مختلفة. تلك العناصر التي اعتُبرت يومًا جزءًا من الهوية المعمارية للمدينة، صارت تُوصف بأنها “عتيقة” و”غير فعالة”. ومع انتشار مشاريع إزالة ما سُمِّي بـ الأحياء الفقيرة، أُدرج بانكر هيل ضمن قائمة المناطق المستهدفة.
عندما يصبح التطوير مرادفًا للإزالة
بحلول نهاية الستينيات، كانت معظم مباني بانكر هيل قد اختفت. المخطط الجديد للمنطقة شمل إنشاء ممرات سيارات، ومباني مكتبية، ومساحات عامة خالية من أي طابع سكني. هذه التغييرات لم تقتصر على إزالة المباني فقط، بل أدت إلى تفكيك مجتمع كامل، وطمس المعالم البصرية التي شكّلت جزءًا من ذاكرة المدينة.

الانتقادات التي طالت المشروع لم تتوقف عند حدود التصميم. فالسكان الذين عاشوا لعقود في الحي، تم تهجيرهم دون توفير بدائل واضحة أو تعويضات منصفة. لم تُؤخذ العلاقات الاجتماعية، ولا جذور السكان، في الحسبان.
ذاكرة مصورة قبل أن تُمحى
ما تبقى من بانكر هيل اليوم لا يُرى في الشوارع، بل في الصور التي التقطها عدد من المصورين قبل بدء أعمال الهدم. من بينهم تشارلز كوشمان، جورج مان، وبالمر كونر. وثّق هؤلاء الحياة اليومية للحي، من مشاهد المارة، إلى الأطفال وهم يلعبون على الأرصفة، مرورًا بتفاصيل المنازل التي لم تعد موجودة اليوم.

هذه الصور أصبحت اليوم بمثابة أرشيف بصري نادر، يُذكّر بما كان عليه الحي، ويوفر للباحثين والمهتمين بالتراث العمراني لمحة عن لوس أنجلوس ما قبل الخرسانة والطرق السريعة.
وثيقة في كتاب
صدر مؤخرًا كتاب بعنوان Los Angeles Before the Freeway، يجمع مجموعة واسعة من الصور التي توثق ليس فقط بانكر هيل، بل عدة مناطق أُزيلت ضمن سياسات التجديد العمراني. يُظهر الكتاب التناقض الكبير بين الأحياء النابضة بالحياة التي كانت قائمة، والتخطيط الجديد الذي جاء ليحلّ محلها. ويُعتبر أحد أهم المصادر البصرية لفهم كيف تغيّرت المدينة خلال العقود الماضية.
دروس من الماضي
قصة بانكر هيل هي تذكير واضح بأن التخطيط الحضري لا يجب أن ينفصل عن الذاكرة الجماعية للمكان. التطوير ضروري، نعم، لكن حين يغفل التراث والبعد الإنساني، يتحوّل إلى عملية محو متعمد لهوية المدينة.

ما حدث في بانكر هيل ليس حالة فردية، بل جزء من سياسة واسعة تكررت في مدن أخرى داخل الولايات المتحدة وخارجها. لكنها تظل من أبرز الأمثلة على تأثير القرارات التخطيطية على حياة الناس، وعلى العلاقة المعقدة بين التحديث والحفاظ على الذاكرة.
مقارنة بين الماضي والحاضر في بانكر هيل:
العنصر | قبل التجديد (1950s) | بعد التجديد (1970s) |
---|---|---|
الطابع المعماري | منازل فيكتورية خشبية بتفاصيل زخرفية | مبانٍ مكتبية من الزجاج والخرسانة |
الاستخدام الرئيسي | سكني عائلي | تجاري ومكتبي |
النسيج الاجتماعي | مجتمع مترابط عبر الأجيال | غياب شبه تام للسكان الأصليين |
المظهر العام | شوارع ضيقة، حدائق خاصة، سلالم خشبية | ممرات واسعة، ساحات مفتوحة، طرق سريعة |
مصادر وقراءات إضافية:
- كتاب Los Angeles Before the Freeway
- أرشيف صور Charles Cushman – Indiana University
- أعمال George Mann – Los Angeles Public Library
- وثائق Palmer Conner – Getty Research Institute
ArchUp يواصل رصد التحولات في قطاع البناء، وتوثيق مشاريع تتبنى الابتكار وتعيد تعريف الطريقة التي تُبنى بها المدن. متحف المستقبل هو شهادة على أن الخيال، عندما يقترن بالعمل الجاد، يمكن أن يحول المستحيل إلى حقيقة.