التصميم الداخلي للجناح في قطار لا دولتشي فيتا أوريانت إكسبرس
إعادة بناء الذاكرة: سرد تصميمي متجذر في الفخامة السينمائية
يعكس التصميم الداخلي الذي قدمه استوديو Dimore لقطار لا دولتشي فيتا أوريانت إكسبرس حوارًا منسقًا بين الحنين والمادية المعاصرة. وباعتباره الأول ضمن سلسلة من التجارب الفاخرة ضمن العلامة التجارية المجددة لأوريانت إكسبرس، فإن القطار يمثل إعادة تفسير دقيقة لعصر السفر الذهبي، لا مجرد إعادة إنتاج له.
الحداثة المرجعية: التصميم الإيطالي في الستينيات والسبعينيات كأساس مفاهيمي
لم تكن تأثيرات المصممين الإيطاليين مثل تشيني بويري، كلاوديو سالوكي، وماريو مارينكو مجرد اختيارات جمالية عشوائية، بل جاءت مغروسة بعمق في منطق الفضاء ولغته المادية. استخلص استوديو Dimore البصمة العاطفية لتلك الحقبة—بثقتها، دفئها، ومسرحيتها—وأعاد توظيفها في حدود الحركة الخطية لضيق الفضاء داخل القطارات.
هذا ليس تقليدًا بل سرد معماري متقن يثير التعرف والدهشة في آن.
صناعة الفضاء السينمائي: الزمن كمادة معمارية
مفهوم الفضاء السينمائي هنا ليس مجازًا، بل يشكل اللغة التصميمية برمتها. كل مقصورة وممر وانحناءة مكسوة بالقماش تمثل “مشهدًا” في رحلة متخيلة. هذه التقنية في سرد الفضاء تتماشى مع ما يصفه استوديو Dimore بأنه “رحلة عبر الذاكرة والخيال”، حيث يصبح الراكب مشاهدًا ومشاركًا في آن.
نحو سرد مادي: المخمل والنحاس والجوز كأدوات روائية
اختيار الخشب المطلي، الزجاج المدخن، المرايا المعتقة، والنحاس المصقول لم يكن زخرفيًا فحسب. هذه المواد المأخوذة من قاموس الفخامة الكلاسيكية تعمل هنا كوسائط روائية. يُستخدم المخمل ليبطئ الإحساس البصري، يمتص الضوء، ويخلق أجواءً حميمية.
ويأتي التناوب بين الأسطح العاكسة والماصة للضوء كاستراتيجية لتوزيع الإحساس المكاني بين التوسعة والانغلاق. هذه الإيقاعات البصرية تخلق توازنًا دقيقًا بين التمايز والاستمرارية عبر تسلسل المساحات.
عربة البار: مشهد من السبعينيات الإيطالية
في عربة البار، تتداخل المقاعد المخملية المتموجة مع جدار مطبوع بنقشة المهرج لتكوين مشهد بصري يعكس مسرحية التصميم الإيطالي في السبعينيات. اختيار الألوان—الكريمي، البرتقالي، الأزرق—يرتكز على النغمة الشعورية أكثر من التناسق البصري، في محاولة واعية لتقديم تجربة تتجاوز الهوية البصرية.
يرفض الاستوديو التوحيد البصري لصالح التعدد السردي، مما يخلق إحساسًا بالتصميم المدروس واللا متوقع في الوقت ذاته.
الكبائن: توتر بين البساطة والفخامة
تتحول القيود المكانية إلى فرص في الكبائن الديلوكس (7 م²) وكبائن الأجنحة (11 م²). في المساحات الصغيرة، تساهم الأقمشة المزخرفة في إدخال ديناميكية بصرية ضمن حدود هندسية ثابتة. تغطية الجدران والأرضيات بألواح الخشب تعزز الإحساس بالانعزال والدفء.
أما الأجنحة، المغطاة بالمخمل الأحمر، فتدفع الحدود المادية إلى أقصاها. يتجاور القماش الناعم مع الطاولات الفولاذية اللامعة، فتخلق هذه التناقضات توترًا بصريًا بين الحسي والتقشفي.
للمزيد على ArchUp:
عربة الطعام: بين المعدن والجلد وطقوس الضيافة
تعمل عربة الطعام كنقطة انتقال بين الخصوصية الاجتماعية والفخامة الذاتية. تنسجم الأرائك الجلدية البرتقالية المنحنية مع الصرامة الهندسية للنحاس والفولاذ، وتترجم التوازن بين الرسمية والرقة.
يغلف السجاد بألوان البني الدافئة هذه التجربة، مستحضرًا جماليات المطاعم الإيطالية القديمة، كإشارة ضمنية إلى الطقوس المعمارية للطعام.
استراتيجية الألوان: الرنين الشعوري مقابل المنطق البصري
تستوحي استراتيجية الألوان من الصور الفوتوغرافية القديمة ذات الألوان الخافتة—الرمادي الدخاني، الأصفر الخردلي، الأحمر الجواهري. الهدف ليس محاكاة الماضي، بل استحضار شعوره النفسي. إنه مشروع يتعامل مع الذاكرة كمادة تصميم، لا كأرشيف.
الألوان هنا أداة تشويش زمني، تُخرج الراكب نفسيًا من الحاضر وتُدخله إلى ماضٍ مُصمم بعناية.
العلامة الخارجية والاستمرارية الداخلية
يحافظ القطار من الخارج على هيئته الأيقونية، لكن السرد الداخلي يتجاوز الحنين إلى الماضي. لا يُعد المشروع إعادة إحياء حرفية للقطار الأصلي، بل بناء خيال جديد من بقاياه. هذا التحرر من الدقة التاريخية سمح بخلق عمل معاصر يعترف بإرثه دون أن يقع أسيره.
الخاتمة: مشروع معلق بين الزمن والذاكرة والحركة
لا يُعد لا دولتشي فيتا أوريانت إكسبرس مجرد تصميم داخلي، بل مجموعة من اللحظات المعمارية المتحركة. تنجح مقاربة استوديو Dimore لأنها لا تعيد بناء الماضي، بل تبتكر سردًا فضائيًا جديدًا من رماده.
إنه معمار كقصيدة—شاعري، مرجعي، ومصمم بلا اعتذار.
Photography: Mr Tripper