هياكل تجريبية تتحدى مفهوم البناء التقليدي

في دورة هذا العام من بينالي البندقية للعمارة، يقدّم جناح كندا تركيباً استثنائياً بعنوان Picoplanktonics، من تصميم مجموعة “Living Room Collective”، وهي مجموعة تجمع بين العمارة والعلوم. هذه الأبراج الغريبة، الشبيهة بالكائنات الفضائية، تنبثق من برك ضحلة وتُغطّى بالبكتيريا الزرقاء التي تقوم بامتصاص الكربون من الهواء.

لكن ما وراء الطابع الغريب لهذه الهياكل، يكمن سؤال أعمق: ماذا لو لم تُصمَّم العمارة للبشر أولاً؟ ماذا لو كانت في خدمة الكوكب؟

تابع كل جديد في عالم المحتوى “المعماري” من مشاريع واتجاهات وأفكار جريئة عبر منصة ArchUp.


عمارة تنمو ببطء… ولكن عن قصد

الهياكل مصنوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد باستخدام الزجاج الموسع، ومُصمَّمة لاستيعاب بكتيريا قادرة على امتصاص الكربون. من خلال عمليتي التمثيل الضوئي والتثبيت المعدني الحيوي، تقوم البكتيريا بتحويل الكربون من الهواء إلى معادن مستقرة.

العملية بطيئة عمداً، بل تمتد لعقود وربما قرون، ما يعكس تحوّلاً جذرياً في الفهم: العمارة ليست خدمة فورية، بل استثمار كوكبي طويل الأمد.

تقوم البكتيريا بعزل الكربون من الهواء عن طريق التمثيل الضوئي والترابط الحيوي

حين لا يكون الإنسان هو الأولوية

مشروع Picoplanktonics يقلب منطق العمارة التقليدية. لا يبحث عن السرعة أو الجدوى الاقتصادية، بل يطرح رؤية ناقدة حول مسؤولية المعماري تجاه البيئة، لا تجاه المستخدم فقط.

فالهياكل لا تستجيب للموضة أو الجمالية، بل تستجيب لـ الظروف المناخية والتفاعلات الكيميائية ودورات الحياة. هي عمارة ككائن حي، لا ككائن صامت.


تصميم عبر الزمن، لا عبر اللحظة

البكتيريا لا تكتفي بالتقاط الكربون، بل تحوّله إلى معادن دائمة. بخلاف الأشجار التي تطلق الكربون عند موتها، فإن هذه الهياكل تخزّنه إلى الأبد. وقد تم تصميم الشبكات الهيكلية لتعظيم التفاعل مع الهواء والضوء.

فهل نشهد مستقبلاً واجهات تنمو وتتنفس؟ هل نتخلّى عن العمارة الثابتة لصالح أنظمة معمارية مرنة ونابضة بالحياة؟

للمزيد على ArchUp:


ما بعد النحت: نحو فكر معماري جديد

رغم مظهرها النحتي، هذه الهياكل ليست مجرد فن تجريبي؛ بل هي نموذج أولي لما قد تصبح عليه العمارة المستقبلية. لكن هذا النموذج يتطلب تغييراً جذرياً في طريقة عيشنا، من التمسك بالثبات والراحة، إلى القبول بالهشاشة والبُطء والرعاية.

صحيح أن المشروع ليس “جاهزًا” للاستخدام، لكن الرسالة واضحة: الزمن ضيق، والتغيير ضروري.


خاتمة: هل انتهت عمارة الكتلة؟

جناح كندا لا يقدّم مباني، بل يقدم أنظمة حية قيد النمو. وفي ذلك نقد مباشر لمهنة باتت تُعلي من الشكل والاستعراض. هنا، تُطرح العمارة بوصفها أخلاقًا جديدة، لا منتجًا جديدًا.

Picoplanktonics لا يقترح شكلاً فحسب، بل يقترح موقفًا: أن تتخلى العمارة عن دورها كمستهلك، وتصبح مساهمًا—ببطء، بتواضع، وبكائنات دقيقة.

تم تصميم الهياكل الطويلة لتكمل شجرة في مبنى الجناح

الصور: فالنتينا موري

If you found this article valuable, consider sharing it

موضوعات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *