يشهد العالم حاليًا تحولات اقتصادية بارزة نتيجة التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه التعريفات التي دخلت حيز التنفيذ مطلع أبريل 2025 بدأت بالفعل تؤثر بشكل ملحوظ على تكاليف مواد البناء والمشاريع العمرانية حول العالم. في هذه المقالة نلقي نظرة تحليلية على تداعيات هذه التعريفات في أربع مناطق رئيسية هي الولايات المتحدة والصين والشرق الأوسط وكندا، ونقدم رؤية حول استراتيجيات التعامل مع هذه المتغيرات الجديدة.
الولايات المتحدة: ارتفاع حاد في تكلفة البناء
أدت التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة إلى ارتفاع مباشر في أسعار مواد البناء، مما يزيد من التكاليف العامة لإنشاء المشاريع السكنية والتجارية. وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز، يُتوقع أن يرتفع متوسط تكلفة بناء المنزل في الولايات المتحدة بحوالي 9,200 دولار نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء مثل الفولاذ، والألومنيوم، والخشب، وهي سلع تعتمد بشكل كبير على الاستيراد.
ورغم الانخفاض الطفيف الأخير في معدلات الرهن العقاري إلى 6.55%، إلا أن ارتفاع تكاليف البناء يهدد قدرة المواطن الأمريكي على شراء المنازل، ويؤثر بشكل مباشر على نشاط قطاع المقاولات.
الصين: الرد بإجراءات مضادة تؤثر على الأسواق العالمية
في خطوة تصعيدية، فرضت الصين من جانبها تعريفات جمركية بنسبة 34% على جميع الواردات الأمريكية ابتداءً من 10 أبريل 2025. جاء هذا الرد الصيني بعد الإجراءات الأمريكية المشابهة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في سلاسل توريد مواد البناء.
هذه التطورات ستدفع شركات المقاولات الصينية والعالمية لإعادة تقييم مصادر مواد البناء، وربما التحول نحو مصادر بديلة أو محلية، وهو ما قد يؤدي إلى تأخر مشاريع كبرى وزيادة التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ.
الشرق الأوسط: تأثير محدود وتوجه نحو البدائل المحلية
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فقد فرضت الولايات المتحدة تعريفات جمركية بنسبة 10% على وارداتها من عدة دول في المنطقة، ومنها الإمارات والسعودية ومصر والمغرب، مع زيادات إضافية لبعض السلع. ورغم أن الأثر المباشر على قطاع الإنشاءات في هذه الدول لا يزال محدودًا نسبيًا، إلا أن الشركات بدأت بالفعل بالبحث عن حلول بديلة لتخفيف الاعتماد على المنتجات الأمريكية.
هذه التغيرات تدفع نحو تعزيز سلاسل الإمداد الإقليمية، مع زيادة الاستثمار في إنتاج مواد البناء محليًا وتخفيف الاعتماد على الواردات.
كندا: رد فعل سريع ومخاطر على قطاع البناء
فرضت كندا تعريفات جمركية تصل إلى 25% على واردات أمريكية بقيمة تقارب 29.8 مليار دولار منذ 13 مارس 2025. وتشمل هذه الواردات مواد أساسية للبناء مثل الصلب والألومنيوم، الأمر الذي يؤدي مباشرة إلى ارتفاع تكلفة المشاريع في كندا.
ومن المتوقع أن تضطر شركات المقاولات الكندية لإعادة تقييم خيارات الشراء والتوجه نحو مصادر محلية أو بديلة، لتجنب الزيادات الكبيرة في تكاليف المواد الأساسية.
استراتيجيات عالمية لمواجهة التحديات الجديدة في البناء
تفرض هذه التعريفات تحديات غير مسبوقة تتطلب من المقاولين والمعماريين حول العالم تبني استراتيجيات مرنة تشمل:
- تنويع سلاسل التوريد: تقليل الاعتماد على المواد المستوردة من الدول التي طالتها التعريفات، والتوجه نحو مصادر محلية أو إقليمية جديدة.
- مراجعة الميزانيات: إدراج التكاليف الإضافية المحتملة الناتجة عن التعريفات في التخطيط المالي للمشاريع لضمان استمرار جدواها الاقتصادية.
- اعتماد التقنيات الحديثة: الاستفادة من تقنيات البناء الحديثة والابتكار في مواد البناء لتخفيض التكاليف وتعويض نقص الإمدادات التقليدية.
- المشاركة في السياسات العامة: تشجيع التعاون بين الشركات والجمعيات المهنية في الضغط من أجل تخفيف القيود الجمركية أو توفير استثناءات للقطاعات الأكثر تضرراً مثل البناء.
من خلال تبني هذه الإجراءات، يمكن لقطاع البناء الحفاظ على استدامة مشاريعه والتكيف مع التقلبات الاقتصادية الجديدة التي فرضتها قرارات التعريفات الجمركية الأخيرة.