التصميم كوسيلة للتعبير الفني: قراءة في مشروع Motototem
شهد أسبوع ميلانو للتصميم 2025 ظهور مشروع فريد من نوعه أعاد تعريف العلاقة بين التصميم الصناعي والفن المعاصر. وتم ذلك من خلال تعديل غير تقليدي لدراجة نارية كلاسيكية.
إعادة تصور التراث الصناعي
شاركت شركة Royal Enfield في الحدث من خلال تقديم نسخة فنية مبتكرة من دراجتها القديمة Flying Flea FF.C6. تم تحويل الدراجة إلى منصة للتعبير الفني، في خطوة تعكس قدرة التصميم على تجاوز حدود الوظيفة نحو مفاهيم أكثر عمقًا. ومن هذه المفاهيم الهوية، والذاكرة، والتجريب.
تعاون بين الصناعة والفن
هذا المشروع جاء نتيجة تعاون بين Royal Enfield والفنان الإيطالي المقيم في لوس أنجلوس Mattia Biagi، المعروف بأعماله التي تستكشف العلاقة بين المواد التقليدية والرؤى التجريدية. يتمتع Biagi بخبرة في تصميم الدراجات من منظور فني. ما أضفى على المشروع طابعًا شخصيًا وفلسفيًا في آنٍ واحد.
ميلاد علامة فرعية جديدة
ضمن هذا السياق، كشفت Royal Enfield عن علامة فرعية جديدة تُدعى Flying Flea. هذه العلامة تمثل توجّهًا نحو إنتاج دراجات كهربائية تمزج بين الابتكار التكنولوجي والرؤية الفنية. الدراجة التي عُرضت حملت اسم Motototem، بتصميم أقرب إلى النحت منه إلى وسيلة نقل تقليدية. ما يجعلها تنتمي لفضاء بصري أقرب لعالم الخيال منه إلى الواقع.


🔗 اقرأ أيضًا:
بين الماضي والمستقبل: رحلة التصميم في Motototem
ترتكز دراجة Motototem على النموذج الأول الذي أطلقته العلامة التجارية، FF.C6. مما يضفي على المشروع بعدًا تاريخيًا يُعزز من قيمته الرمزية. وقد تم تطوير هذا النموذج الجديد من قبل فريق هندسي يضم أكثر من 200 مهندس من الهند والمملكة المتحدة. هذا التعاون يربط بين الخبرات التقنية والثقافات المختلفة.
الحفاظ على الهوية الأصلية
رغم التحول الجذري في الشكل الخارجي، إلا أن الدراجة تحتفظ بجوهرها الأصلي، سواء على مستوى البنية أو الأداء. فقد حافظ المصممون على صندوق البطارية المصنوع من المغنيسيوم والمزوّد بزَعانف تعزز القوة الهيكلية. كما تم تلوينه بلون مستوحى من الحجر البركاني الأسود، ليظل منسجمًا مع الخط البصري للدراجة.
التكنولوجيا في خدمة الفن
تحت الهيكل المنحوت، لا تزال التقنيات الحديثة حاضرة. إذ تعتمد الدراجة على نظام ذكي مدعوم بشريحة Snapdragon يوفّر الاتصال والملاحة الصوتية. هذا النظام يربط بين التصميم الفني والأداء العملي.
استحضار الذاكرة التاريخية
لا يكتمل الطابع المفاهيمي للدراجة دون استحضار لحظات من تاريخها. استلهم Mattia Biagi عناصر من نموذج Flying Flea لعام 1940، والذي استخدم خلال الحرب العالمية الثانية. كان يُستخدم ذلك النموذج عبر إسقاطه جوًا لتحقيق مكاسب تكتيكية. ويُجسّد خزان الترافرتين هذا البعد الزمني في إشارة بصرية تعيد ربط الحاضر بجذور الماضي.


فن التفاصيل: عندما تندمج الطبيعة بالبشر في تصميم دراجة
في الشكل النهائي لدراجة Motototem، يظهر جليًا سعي المصمم إلى تجسيد علاقة الإنسان بالطبيعة. ليس فقط من خلال المواد، بل في أدق التفاصيل.
عناصر زجاجية وروح فنية
تم استبدال المصابيح الأمامية والخلفية بأشكال عضوية مصنوعة من الزجاج المنفوخ يدويًا، باستخدام تقنيات حرارية عالية. ما يمنح الإضاءة طابعًا فنيًا فريدًا يتجاوز الوظيفة إلى التعبير البصري.
بصمة إنسانية في كل تفصيلة
المقابض ومسند القدمين المصنوعان من البرونز يضمان مكونات صُممت من بصمات أصابع الفنان Mattia Biagi نفسه. وكأن كل جزء منها يحمل توقيعه الشخصي، ما يعمّق الرابط العاطفي بين المصمم والمادة. هذه اللمسة تُضفي على الدراجة هالة أسطورية، تُذكرنا بدراجات القصص الخيالية مثل Ghost Rider. وكأنها قطعة من فيلم لم يُعرض بعد.
استخدام المواد الطبيعية
اختيار المواد لم يكن عشوائيًا. فالطين، والبرونز، والحجر، والجلد، وصولًا إلى الألمنيوم المطروق والمغنيسيوم، كلها مواد استُخدمت بعناية. ذلك ليضفي على الدراجة طابعًا أصيلًا يجمع بين القوة والجمال الطبيعي.
تفاصيل صغيرة تحمل معاني كبيرة
حتى التفاصيل التي قد تبدو ثانوية، مثل رفارف العجلات المصنوعة من أوراق نباتية مصبوبة بالراتنج، أو المقعد المصنوع من خشب الجوز. تم توظيفها بعناية لتعزيز الطابع الفني للدراجة. أما الإطارات، فقد زُيّنت برموز طيور السنونو، في إشارة رمزية إلى الوفاء والحنين إلى الديار.


🔗 اقرأ أيضًا:
نحت على عجلتين: تفاصيل متقنة في التصميم
لم يغفل Mattia Biagi عن أدق التفاصيل، حيث طالت لمساته الفنية مجموعة الشوكة الأمامية للدراجة. فبدلًا من واقيات الشوكة التقليدية التي تُستخدم عادة في دراجات الطرق الوعرة، قام بتبديلها بـإدخالات مصبوبة من الطين. ما يضفي على الدراجة طابعًا نحتيًا يعكس ارتباطها بالأرض والمادة الخام.
توظيف الطين في وظائف ميكانيكية
نفس المعالجة الفنية طُبّقت على غطاء السلسلة. هذا عنصر غالبًا ما يُغفل عنه في التصميمات، إلا أنه هنا تحوّل إلى جزء من اللغة البصرية للعمل الفني، مشددًا على اندماج الميكانيكا مع الحرفة اليدوية.
دراجة على خشبة المسرح العالمي
وبعد الكشف عنها في Superdesign Show بموقعه في Via Tortona 27 بميلانو ضمن فعاليات أسبوع التصميم، تستعد الدراجة للانطلاق في جولة عالمية. ستتيح هذه الجولة لجمهور أوسع تأمل هذا التلاقي الفريد بين الفن والهندسة.
حين يصبح التصميم حكاية
دراجة Motototem لا تُقدَّم كوسيلة تنقّل، بل كمنصة لحوار بين الماضي والمستقبل، وبين المادة والرمز. وربما في المستقبل، تجد طريقها إلى أفلام خيال ما بعد الكارثة أو أعمال سينمائية تعكس صراع الإنسان مع الطبيعة والتكنولوجيا – لا لكونها مجرد دراجة، بل لكونها عملًا نحتيًا ينبض بالحياة.












