منزل يذوب في الحديقة يعيد رسم حدود السكن في مدريد
منزل يذوب في الحديقة يظهر في موراليخا بمدريد ليس كتصريح بصري، بل كتفاوض مكاني بين السكن والمنظر الطبيعي. يُعيد المشروع تعريف العلاقة بين العمارة والمناخ المحلي عبر تفكيك الكتلة السكنية إلى شرائح أفقية تنساب على التل دون تعديل تضاريسه. تخلق هذه الشرائح فراغات متبادلة تتحول إلى حدائق داخلية، لا كإضافة زينية، بل كمكونات هيكلية تُشكّل تجربة السكن من الداخل. تنسجم المواد مثل الخرسانة المصبوبة في الموقع والزجاج منخفض الانعكاس مع مبادئ مواد البناء التي تُفضّل الصدق على الزخرفة. الحركة عبر الطوابق الثلاثة تتمحور حول نواة مركزية تربط بين غرف الضيوف عند حوض السباحة، وفراغات النهار المطلة على البحيرة، وغرف النوم العلوية التي تولّد تراسًا ظليلًا تحتها. لا توجد حدود واضحة بين الداخل والخارج؛ بل سلسلة من الانتقالات التي تعزز الانغماس في المناظر الطبيعية المحيطة. المشروع، في جوهره، لا يُبنى ليُرى، بل ليُعاش كجزء من دورة نباتية وضوئية مستمرة، وفق نهج توثيقي يعكس مبادئ الأرشيف المعماري الحي.

الفكرة التصميمية: العمارة كامتداد للتضاريس
يتخلّى المشروع عن الكتلة المدمجة لصالح شريحتين منحنيتين تمتدان على المنحدر الطبيعي دون تعديل شكل التربة. يبلغ طول كل شريطة 28 متراً وعرضها 4.2 أمتار، وهي نسبة محسوبة لموازنة الخصوصية مع المناظر الخارجية. بين الشريحتين، تتشكل خمس فراغات خضراء مفتوحة، كل منها معدّ لاستقبال أشجار السنديان والزيتون عند بلوغها.
يستند التصميم إلى نموذجين تقليديين البلكونة والفناء لكنّه يعيد تركيبهما كمساحات متصلة لا كعناصر ثابتة. هذا النهج يتماشى مع تجارب أوسع في مجال العمارة التي تُفضّل الاستمرارية الحسّية على الاستقلالية الشكلية.
تتركّز الحركة الرأسية حول نواة خرسانية تصل المستويات الثلاثة دون ممرات جانبية. يحتوي المستوى السفلي على غرف الضيوف وحوض سباحة ينصبّ بصريًا في الحديقة الأمامية. أما الطابق الأوسط فيضم فراغات النهار المواجهة لبحيرة قريبة، بينما يجمع الطابق العلوي غرف النوم في كتلة واحدة تشبه الجسر، وتولّد تحتها تراسًا ظليلًا دون حاجة لأغطية ميكانيكية.

المواد والتشييد: الوضوح بدل الزخرفة
يعتمد الهيكل على خرسانة مصبوبة في الموقع بملمس ناعم، تُترك دون طلاء لتتفاعل مع العوامل الجوية. جدران بسمك 30 سم توفّر عزلًا حراريًا ذاتيًا. أما النوافذ فتستخدم وحدات زجاجية ثلاثية الطبقات (6–12–6 مم) منخفضة الانعكاس لضمان الشفافية البصرية مع كفاءة الطاقة.
الداخل يُغطّى بخشب البلوط الأوروبي المعالج بزيوت طبيعية، بعيدًا عن المواد الاصطناعية. لا توجد زخارف سطحية؛ بل يُظهر البناء منطق تجميعه. حتى قنوات تصريف مياه الأمطار في الأرضيات الخارجية مدمجة في الشبكة الإنشائية، وهو تفصيل يعكس كيف يمكن لـالتشييد أن يخدم الشكل والوظيفة معًا. هذه الفلسفة تتماشى مع ما يوثّقه قسم مواد البناء حول أولوية الاستجابة البيئية على الجدة الشكلية.

الاستدامة: النمو كمعطى تصميمي
الاستدامة هنا ليست معتمدة على شهادات، بل مغروسة في منطق التصميم الزمني. تحت كل فراغ خارجي، توجد طبقات تربة بعمق 1.2 متر على الأقل، تسمح للجذور بالنمو بحرية. التهوية الطبيعية عبر الفجوات بين الشرائح تقلّل الحاجة للتبريد الميكانيكي بنسبة 40% في الفصول المتوسطة.
لا توجد عناصر زينة مؤقتة كالعشب الاصطناعي أو النباتات المحفوظة في أصص. كل شيء مصمم ليحيا، ينمو، ويموت تمامًا كما في الطبيعة. هذا المبدأ يتماشى مع مبادئ الاستدامة التي تُركّز على التعاقب البيئي بدل الإنجاز الفوري. المشروع لا يُقدّم صورة نهائية، بل يشكّل بيئة للاكتمال المستقبلي، وهو نهج يظهر بشكل متزايد في تغطية الأخبار حول السكن المتجاوب مع المناخ.

الأثر الحضري: إعادة النظر في الضواحي
يقع المشروع في موراليخا، وهي منطقة سكنية منخفضة الكثافة شمال مدريد. بدلًا من عزل المبنى داخل حديقة مُهذبة، يقترح التصميم كثافة عبر التراكب: برامج متداخلة، مناظر متراكمة، وفراغات خضراء متشابكة وهذا ما يجعله منزل يذوب فى الحديقة.
يرفع هذا التصميم تساؤلات أوسع حول مستقبل المدن والتوسعات الطرفية. هل يجب أن تظل المنازل الفردية منفصلة عن بقية النسيج؟ المشروع يقدم نموذجًا هادئًا يتحدى نمط الإسكان المتفشّي في ضواحي مدريد، حيث غالبًا ما تُهمَل التضاريس والمناخ المحلي. وهو ينضم إلى نقاش دولي يظهر في الأرشيف حول إمكانية جعل السكن الفردي جزءًا من شبكة منظرية أوسع.
لا يُعلن المبنى عن وجوده من الشارع. بل يُكتشف عبر الحركة والتغيّر الموسمي. وبهذا، يتجنب لهجة الدعاية الشائعة في العمارة السكنية، ويتّخذ نبرة وثائقية تتماشى مع النهج النقدي في قسم التحرير. لا توجد خطط للتوسعة؛ فالتصميم يفترض اكتماله فقط بعد عقود من النمو النباتي.
هل يمكن لهذا النموذج من الاندماج التدريجي أن يُقدّم بديلًا لضواحي البحر الأبيض المتوسط التي تعاني من التمدد العشوائي والضغط البيئي؟
لمحة معمارية: منزل شريطي من الخرسانة بطول 28 متراً في مدريد ينسدل على موقع منحدر، مولّداً خمس حدائق مستقبلية عبر فراغات مكانية واستراتيجيات بيئية سلبية.
ArchUp Editorial Insight
تقدم فيلا لاغو في موراليخا نفسها كامتداد عضوي للمنظر عبر بلكونات مفككة وفراغات محكومة. يتخلّى التصميم عن الكتلة الأحادية لصالح شرائح متعرجة تولّد خمس حدائق وسطية. لكن هذه الاستراتيجية تنطوي على خطر تجميل العزلة تحت غطاء الحساسية البيئية. عرض 4.2 أمتار يضبط الضوء والخصوصية بانضباط أرشيفي جعله منزل يذوب في الحديقة. مع ذلك، يتجنب هدوء الفيلا الانعزالي مواجهة تمدد ضواحي مدريد. يُحسب للتصميم زهده المادي: الخرسانة الخام والشفافية ثلاثية الطبقات تتجنب الزخرفة. لكن الطبيعة تظهر كخلفية بصرية، لا كشريك فعّال. قد لا تصبح الفيلا وثيقة حية، بل كبسولة مغلقة أنيقة، خاملة، ومتناقضة مع إكولوجيات المدن الضرورية.