الساحة الثقافية بورتو نوفو: تجربة العبور على ضفاف النهر
لقاء الخرسانة والظل عند عتبة العاصمة
من تلك اللحظة التي يغادر فيها الزائر الجسر الواصل إلى بورتو نوفو، تبدأ الرحلة البصرية نحو الساحة الثقافية بورتو نوفو. هذا المبنى لا يقف كوجهة داخل المدينة، بل كعلامة تُعلن عن دخول العاصمة البنينية نفسها. لقد تم تصميم الموقع ليتجاوز وظيفته المباشرة، ليصبح رمزًا للتفاعل الاجتماعي والحيوي في غرب أفريقيا.
عند الاقتراب، تستقبلنا لغة معمارية تتسم بالصدق المادي والتباين المدروس. تظهر المدرجات الخرسانية القائمة على شبكة منتظمة من الجدران والأقواس الخرسانية المكشوفة، مُشكلة قاعدة ثابتة وراسخة. هذا التعبير عن الثقل يعكس إحساسًا بالديمومة، لكنه يمهد الطريق لتجربة أخف وزنًا.

مسار الزائر: انسياب نحو قلب التجمع
صُممت الساحة الثقافية بورتو نوفو لتوفر مسارات حركية لا تُركز فقط على الوصول إلى أماكن الأداء، بل على الاحتفاء بالعبور والتفاعل. يُدعى الزائر للتجول في المساحات المفتوحة التي تتجاوز حدود المبنى، حيث تتسع الرؤية لتشمل النهر وضفافه.
الساحة ليست مجرد مسرح؛ إنها امتداد للمدينة، مصممة لاستيعاب وظائف متعددة تتراوح من الفعاليات الكبيرة بسعة تصل إلى 6,000 شخص وصولاً إلى التجمعات الحميمية. هذه المرونة تسمح باستضافة العروض الفنية، والحفلات الموسيقية، والمناسبات المدنية، وحتى الطقوس الدينية، مما يجعلها فعلاً نقطة التقاء ثقافي شامل.

هندسة التكيف المناخي: واجهة تتحرك مع الرياح
يُعالج التصميم تحديات المناخ المحلي من خلال هيكل علوي ذكي يتناقض مع القاعدة الخرسانية. يُبرز هذا الجزء تقنيات الإنشائية خفيفة الوزن التي تضمن راحة بيئية مستدامة.
المواد والتقنيات الأساسية:
- المدرجات والأقواس: خرسانة (مسبقة الصب ومكشوفة) تشكل ما يقارب 55% من الكتلة المرئية السفلية، مؤكدة على الثبات.
- الهيكل الداعم: نظام فولاذي تقني (أعمدة مزدوجة) يدعم الهيكل العلوي، يمثل تقريبًا 20% من المواد الإنشائية العلوية.
- الواجهة والسقف: نسيج خفيف الوزن، يغطي سطحًا كابوليًا يمتد لمسافة تصل إلى 25 مترًا، مما يوفر الظل وحماية من الشمس.
- نظام التهوية: فتحات كبيرة مُدمجة في الواجهة المتعرجة لتعزيز التهوية الطبيعية العابرة التي تتكيف مع الطقس، وهي عنصر حيوي في التصميم.
تُنشئ الدعائم الفولاذية تأثيرًا بصريًا حركيًا، حيث يتغير مظهر واجهة الساحة الثقافية بورتو نوفو بناءً على زاوية المشاهدة وحركته، مما يضفي حيوية على المبنى.

الاندماج مع الطبيعة: التل الأخضر والميدان المفتوح
تكتمل هندسة المدرج الرئيسي بـ تل اصطناعي مغطى بالغطاء النباتي الكثيف. هذا التل يغلق محيط الساحة بشكل دائري ومثالي، ويوفر مناطق جلوس غير رسمية للعروض التي تعتمد على تصميم 360 درجة.
يلعب التل دورًا مزدوجًا: فهو يُمثل مساحة ترفيهية خضراء في الواجهة، وفي الخلفية، يعمل كـ خلفية نباتية مرئية من المدرجات الرئيسية، مما يُنشئ انتقالًا سلسًا وضروريًا بين البيئة المبنية وهدوء ضفاف النهر. هذا الدمج بين البيئة المبنية والطبيعية يؤكد دور الساحة الثقافية بورتو نوفو كمحفز للتطوير الحضري المستدام والوعي السياقي في بنين. هذا المشروع، الذي يبلغ سعره التقديري 12 مليون يورو، يُعتبر استثمارًا مستقبليًا في البنية التحتية الثقافية للمنطقة.

✦ ArchUp Editorial Insight
يخلق تصميم ساحة بورتو نوفو الثقافية حواراً بصرياً ملهماً بين الثقل والخفة. تُشكل المدرجات الخرسانية المكشوفة قاعدة صلبة وراسخة، تبعث على الديمومة، بينما يعلوها هيكل فولاذي ونظام واجهات من القماش الخفيف المظلل، مما يمنح المبنى طابعاً حركياً ومتكيفاً مع المناخ. التصميم ينجح في تجاوز وظيفته التقليدية للمسرح؛ فمن خلال احتضان التل الأخضر والساحات المفتوحة، يوفر مقاربة ذكية للتكيف الحضري والمناخي. الانتقاد البنّاء يكمن في ضرورة استدامة هذا القماش الهيكلي أمام الظروف الجوية القاسية. ومع ذلك، يعد هذا المشروع استثماراً حيوياً ومحفزاً للتفاعل الثقافي والمدني في غرب أفريقيا.
ArchUp: التحليل الإنشائي والمناخي لساحة بورتو نوفو الثقافية
يقدم هذا المقال نظرة على ساحة بورتو نوفو الثقافية كدراسة حالة في العمارة المتناغمة مع المناخ. ولتعزيز قيمته الأرشيفية، نود تقديم البيانات التقنية والإنشائية الرئيسية التالية:
يعتمد النظام الإنشائي على قاعدة خرسانية مسبقة الصب تشكل 55% من الكتلة، تدعم هيكلاً علوياً من الفولاذ (نظام أعمدة مزدوجة) بنسبة 20%. يمتد السقف الكابولي (Cantilever) لمسافة 25 متراً باستخدام ألواح فولاذية خفيفة مغطاة بنسيج PVC معمّر، مما يوفر ظلاً بنسبة 85% على المسرح الرئيسي.
يتميز النظام المناخي بتهوية طبيعية عابرة عبر فتحات ديناميكية في الواجهة المتعرجة، تقلل من الاعتماد على التبريد الميكانيكي بنسبة تصل إلى 60%. يستوعب التل الأخضر الاصطناعي (المغطى بنباتات محلية) ما يقارب 3,000 طن من مياه الأمطار سنوياً، مع توفير مناطق جلوس لـ 1,200 شخص إضافي.
من حيث الأداء الوظيفي، يحقق التصميم مرونة استيعابية تتراوح بين 500 إلى 6,000 شخص عبر تقسيم المساحات المتحركة. بلغت التكلفة التقديرية 12 مليون يورو مع تحقيق عائد ثقافي مجتمعي يتجاوز 45 فعالية سنوياً.
رابط ذو صلة: يرجى مراجعة هذا المقال لمقارنة تقنيات التهوية الطبيعية في العمارة الأفريقية:
عمارة المناخ الحار: استراتيجيات التبريد السلبي في غرب أفريقيا
https://archup.net/ar/جناح-البحرين-في-بينالي-البندقية-يدرس-ط/