طوابق من الخشب: كيف أعاد مشروع ريادي تعريف البناء المستدام
رحلة صعود تتجاوز القيود
كانت تورنتو تعيش تحت قيود صارمة. لفترة طويلة، لم تسمح قوانين البناء في أونتاريو إلا بتشييد مبانٍ لا تتجاوز 6 طوابق باستخدام الهيكل الخشبي الضخم. هذا المشروع الأكاديمي، بارتفاعه البالغ 10 طوابق، لم يكن مجرد إضافة عمرانية؛ لقد كان إشارة واضحة لتغيير قادم. يقف المبنى اليوم على ضفاف البحيرة، في موقع كان قديمًا أرضًا صناعية مهملة ، ليمنح طلاب كلية جورج براون مساحة تعليمية صافية الانبعاثات الكربونية صفر. إنه نموذج عملي يوضح كيف يمكن لـ الابتكار أن يتجاوز الأعراف المتبعة في مجال الهندسة المعمارية.
عند المدخل: الدفء المكشوف
عندما تطأ قدمك هذا الصرح، تشعر فورًا بالتحول الجذري عن المباني الخرسانية المعتادة. الرائحة الخفيفة للخشب تملأ الأجواء. هنا، يختفي اللصق والدهان. لم يغطِ المصممون الأعمدة والجدران الخشبية بالتشطيبات، بل تركوها مكشوفة بكل تفاصيلها. هذا الاختيار ليس جماليًا وحسب؛ إنه هدف تعليمي. أراد المصممون أن يكون المبنى نفسه مختبرًا حيًا، حيث يرى الطالب بشكل مباشر كيف تُرتب العقد والوصلات والعناصر الإنشائية لتشكل المبنى. هذه الشفافية المادية تعكس قيمة إيجابية في بيئة أكاديمية، وتمنح شعورًا بالهدوء والصدق.
القلب النابض: الحركة والضوء
يتمركز المبنى حول ردهة مركزية واسعة (أتريوم). لا يقتصر الدرج الكبير على كونه وسيلة انتقال بين المستويات العشرة؛ إنه مساحة للتفاعل. يقدم الدرج مقاعد عريضة يمكن أن تتحول إلى مدرج عفوي للمحاضرات غير الرسمية أو مجرد مكان لاستراحة الطلاب. من هذا القلب، تنتشر المساحات التعليمية التي تتميز بخلوها من الأعمدة الداخلية المعيقة. لقد سمح نظام الشرائط البلاطية باستخدام مسافات طويلة في الأسقف، مما خلق فضاءات مرنة وواسعة مثل “مشهد التعلم” و”غرف التنفس”، مما يضمن توزيعًا ممتازًا للضوء الطبيعي. إن هذا الترتيب يبرز أهمية التصميم الداخلي الفعال.
بيان الكربون: الحقائق الرقمية للاستدامة
تتجلى القيمة الأكبر لهذا المبنى في بياناته البيئية. كان التحدي الأهم هو تقليل الأثر الكربوني للمشروع، وقد حقق الهيكل الخشبي الضخم نتائج ملموسة:
- انخفاض الكربون المُجسّد: حقق الهيكل الخشبي الضخم تخفيضًا بنسبة 30% في الكربون المُجسّد مقارنة بهيكل خرساني مماثل.
- تحدي ما تحت الأرض: كشفت الدراسة عن أن الأعمال الخرسانية تحت الأرض هي الأكثر تكلفة بيئية، حيث شكلت هذه الأعمال وحدها 40% من إجمالي الكربون المُجسّد للمبنى. هذا يوجه رسالة واضحة للمعماريين بضرورة تقليل هذا الجانب من البناء.
الموارد والتقنيات: تفاصيل التشييد
يعتمد المشروع على موارد محلية، مما يعزز سلسلة الإمداد الوطنية ويقلل من تكلفة النقل.
- المادة الأساسية: تم استخدام خشب تنوب أسود . يمكن العثور على مزيد من المعلومات حول هذا المواد في وثائق المواصفات الفنية.
- المصدر: يتم حصاد الخشب من غابات شمال كيبيك.
- خصائص الخشب: ينمو هذا النوع ببطء ويتميز بكثافة وقوة عالية، بالإضافة إلى عدد أكبر من العقد، مما يمنحه طابعًا جماليًا مميزًا.
يؤكد هذا المشروع على الإمكانات الهائلة لـ الهيكل الخشبي الضخم في تشييد منشآت مستدامة ومرنة، ويضع معيارًا جديدًا لـ التخطيط الحضري في المدينة وفي البلاد ككل. لقد أسهم هذا المبنى في تحديث قوانين البناء الكندية، التي تسمح الآن بتشييد هياكل خشبية تصل إلى 18 طابقًا، مما يبشر بمستقبل واعد لهذا النوع من العمارة.
✦ نظرة تحريرية من ArchUp
يتجاوز هذا المشروع البسيط دوره كمبنى أكاديمي، ليصبح بيانًا ماديًا عن العمارة المستدامة. يكشف التصميم ببراعة عن جوهره الهيكلي الخشبي، حيث تظل الأعمدة والأسقف الضخمة مكشوفة، مما يخلق تباينًا دافئًا وملموسًا مقابل الأتريوم الزجاجي والمساحات المفتوحة المضيئة. تمثل المقاربة التصميمية نموذجًا للنقد الذاتي، خاصة في التركيز على تحليل الأثر الكربوني للأعمال تحت الأرض، وهو ما يدفع صناعة البناء لإعادة تقييم الأجزاء غير المرئية من التشييد. هذا التركيز على الشفافية المادية والبيئية يحول المبنى إلى أداة تعليمية بحد ذاتها. ينجح المشروع في تقديم نموذج قابل للتطبيق، يرسخ مكانة الهيكل الخشبي الضخم كخيار رئيسي للمنشآت الحضرية المستقبلية.
ArchUp: التحليل الإنشائي والكربوني لمشروع الهيكل الخشبي الضخم (10 طوابق)
يقدم هذا المقال نظرة على مشروع أكاديمي في تورنتو كدراسة حالة في البناء الخشبي عالي الارتفاع. ولتعزيز قيمته الأرشيفية، نود تقديم البيانات التقنية والإنشائية والبيئية الرئيسية التالية:
يعتمد النظام الإنشائي على هيكل خشب ضخم (Mass Timber) بنسبة 100% للجزء فوق الأرض، باستخدام خشب التنوب الأسود (Black Spruce) من غابات كيبيك بكثافة 530 كجم/م³ وقوة انضغاط تصل إلى 35 ميجا باسكال. يبلغ ارتفاع المبنى 10 طوابق (حوالي 35 متراً)، مع تحقيق مسافات خالية من الأعمدة تصل إلى 12 متراً بفضل نظام الشرائح البلاطية الخشبية (CLT).
يتميز الأداء البيئي بانخفاض الكربون المُجسّد (Embodied Carbon) بنسبة 30% مقارنة بالهيكل الخرساني، حيث سجل الهيكل الخشبي انبعاثات تعادل 180 كجم CO₂e/م². كشفت الدراسة أن الأعمال الخرسانية تحت الأرض شكلت 40% من إجمالي البصمة الكربونية، مما يسلط الضوء على أهمية تحسين التصميم الأساسي.
من حيث الكفاءة الوظيفية، يوفر الأتريوم المركزي تهوية وإضاءة طبيعية لما يزيد عن 70% من المساحات الداخلية. صُمم الدرج الرئيسي كمدرّج تفاعلي بعرض 4 أمتار، يدعم قدرة استيعاب تصل إلى 500 طالب ضمن مساحة تعليمية صافية الانبعاثات.
رابط ذو صلة: يرجى مراجعة هذا المقال لمقارنة أنظمة الهياكل الخشبية الضخمة:
الهياكل الخشبية الشاهقة: بين الإمكانيات والتحديات الإنشائية
https://archup.net/ar/السقف-الخشبي-الهندسي-يحول-الضرورة-اله/